الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } * { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قال القرطبى قوله - تعالى - { وَقَالُوۤاْ أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } هذا قول منكرى البعث أى هلكنا وبطلنا وصرنا ترابا. وأصله من قول العرب ضل الماء فى اللبن إذا ذهب، والعرب تقول للشئ غلب عليه غيره حتى خفى فيه أثره قد ضل.. ". أى وقال الكافرون على سبيل الإِنكار ليوم القيامة وما فيه من حساب أئذا صارت أجسادنا كالتراب واختلطت به، أنعاد إلى الحياة مرة أخرى، ونخلق خلقاً جديداً...؟ وقوله - سبحانه - { بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } إضراب وانتقال من حكاية كفرهم بالبعث والحساب إلى حكاية ما هو أشنع من ذلك وهو كفرهم بلقاء الله - تعالى - الذى خلقهم ورزقهم وأحياهم وأماتهم... أى بل هم لانطماس بصائرهم، واستيلاء العناد والجهل عليهم، بلقاء ربهم يوم القيامة، كافرون جاحدون، لأنهم قد استبعدوا إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم، مع أن الله - تعالى - قد أوجدهم ولم يكونوا شيئاً مذكوراً. ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن مردهم إليه لا محالة بعد أن يقبض ملك الموت أرواحهم فقال { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }. وقوله { يَتَوَفَّاكُم } من التوفى. وأصله أخذ الشئ وافيا تاما. يقال توفاه الله، أى استوفى روحه وقبضها، وتوفيت مالى بمعنى استوفيته والمراد بملك الموت عزرائيل. أى قل - أيها الرسول الكريم - فى الرد على هؤلاء الجاحدين سيتولى قبض أرواحكم عند انتهاء آجالكم ملك الموت الذى كلفه الله - تعالى - بذلك ثم إلى ربكم ترجعون، فيجازيكم بما تستحقونه من عقاب، بسبب كفرهم وجحودكم. وأسند - سبحانه - هنا التوفى إلى ملك الموت، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح. وأسنده إلى الملائكة فى قوله - تعالى -فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } لأنهم أعوان ملك الموت الذين كلفهم الله بذلك. وأسنده - سبحانه - إلى ذاته فى قولهٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } لأن كل شئ كائنا ما كان، لا يكون إلا بقضائه وقدره. ثم صور - سبحانه - أحوال هؤلاء الكافرين، عندما يقفون للحاسب، تصويراً مرعباً مخيفاً فقال { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ }. وجواب " لو " محذوف، والتقدير لرأيت شيئاً تقشعر من هوله الأبدان. وقوله { نَاكِسُواْ } من النكس، وهو قلب الشئ على راسه كالتنكيس.. وفعله من باب نصر - والخطاب يصح أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح له. أى ولو ترى - أيها الرسول الكريم - حال أولئك المجرمين الذين أنكروا البعث والجزاء، وهم يقفون أمام خالقهم بذلة وخزى، لحسابهم على أعمالهم.. لو ترى ذلك لرأيت شيئاً ترتعد له الفرائص، وتهتز منه القلوب.

السابقالتالي
2