الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }

والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ... } للتقرير. والخطاب لكل من يصلح له ليعتبر ويتعظ، ويخلص العبادة لله - تعالى -. وقوله { يُولِجُ } من الإِيلاج بمعنى الإِدخال. يقال ولج فلان منزله، إذا دخله... ثم استعير لزيادة زمان النهار فى الليل وعكسه، بحسب المطالع. أى لقد رأيت وشاهدت - أيها العاقل - أن الله - تعالى -، يدخل الليل فى النهار، ويدخل النهار فى الليل، ويزيد فى أحدهما وينقص من الآخر، على حسب مشيئته وحكمته.. وأنه - سبحانه - { سَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ.. } أى ذللهما وجعلهما لمنفعة الناس ومصلحتهم، كما جعلهما يسيران هما والليل والنهار، بنظام بديع لا يتخلف. وقوله { كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } كل من الشمس والقمر يجريان فى مدارهما بنظام ثابت محكم، إلى الوقت الذى حدده - سبحانه - لنهاية سيرهما، وهو يوم القيامة. قال ابن كثير قوله { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } قيل إلى غاية محدودة. وقيل إلى يوم القيامة، وكلا المعنيين صحيح. ويستشهد للقول الأول بحديث أبى ذر الذى فى الصحيحين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا أبا ذر، أتدرى أين تذهب هذه الشمس؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال فإنهما تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأذن ربها، فيوشك أن يقال لها ارجعى من حيث جئت ". وقال الجمل قوله { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } قاله هنا بلفظ { إِلَىٰ } ، وفى سورتى فاطر والزمر، بلفظ " لأجل " ، لأن ما هنا وقع بين آيتين دالتين على غاية ما ينتهى إليه الخلق، وهما قولهمَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ... } الآية. وقولهٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً... } الآية، فناسب هنا ذكر { إِلَىٰ } الدالة على الانتهاء، وما فى فاطر والزمر خال من ذلك. إذ ما فى فاطر لم يذكر مع ابتداء خلق ولا انتهائه، وما فى الزمر ذكر ما ابتدائه، فناسب ذكر اللام، والمعنى يجرى كل كما ذكر لبلوغ أجل مسمى. وجملة { وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } معطوفة على قوله { تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ.. } أى لقد علمت أن الله - تعالى - قد فعل ذلك، وأنه سبحانه - خبير ومطلع على كل عمل تعملونه - أيها الناس - دون أن يخفى عليه شئ منها. واسم الإِشارة فى قوله { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ... } يعود إلى ما تقدم ذكره من إيلاج الليل فى النهار، وتسخير الشمس والقمر. وهو مبتدأ. وقوله { بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } خبره والباء للسببية. أى ذلك الذى فعلناه سببه، أن الله - تعالى - هو الإِله الحق، الذى لا إله سواه، وأن ما يدعون من دونه من آلهة أخرى هو { ٱلْبَاطِلُ } الذى لا يصح أن يسمى بهذا الاسم، لأنه مخلوق زائل متغير، لا يضر ولا ينفع.

السابقالتالي
2