الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

قال ابن كثير قال قتادة قال المشركون إنما هذا كلام يوشك أن ينفد، فقال - تعالى - { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ.. }. وعن ابن عباس " أن أحبار يهود قالوا للبنى صلى الله عليه وسلم أرأيت قولك { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }؟ إيانا تريد أم قومك؟ فقال صلى الله عليه وسلم " كلا عنيت " فقالوا ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شئ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " إنها فى علم الله قليل، وعندكم من ذلك ما يكفيكم " وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ }. و " لو " شرطية، وجوابها { مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ.. } و " من " فى قوله { مِن شَجَرَةٍ } للبيان، وفى الآية الكريمة كلام محذوف يدل عليه السياق. والمعنى ولو أن ما فى الأرض من أشجار تحولت بغصونها وفروعها إلى أقلام، ولو أن البحر - أيضا - تحول إلى مداد لتلك الأقلام، وأمد هذا البحر بسبعة أبحر أخرى. وكتبت بتلك الأقلام، وبذلك المداد كلمات الله التى يحيط بها علمه - تعالى -.. لنفدت الأقلام، ولنفد ماء البحر، لتناهى كل ذلك، وما نفدت كلمات الله - تعالى - ولا معلوماته، لعد تناهيها. { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } لا يعجزه شئ، ولا يغلبه غالب { حَكِيمٌ } فى كل أقواله وأفعاله. فالآية الكريمة المقصود منها بيان أن علم الله - تعالى لا نهاية له، وأن مشيئته لا يقف أمامها شئ، وكلماته لا أول لها ولا آخر. وقال - سبحانه - { مِن شَجَرَةٍ } بالإِفراد، لأن المراد تفصيل الشجر واستقصاؤه شجرة فشجرة، حتى لا تبقى واحدة من أنواع الأشجار إلا وتحولت إلى أقلام. وجمع - سبحانه - الأقلام، للتكثير، أى أقلام كثيرة يصعب عدها. والمراد بالبحر البحر المحيط بالأرض، لأنه المتبادر من التعريف، إذ هو الفرد الكامل. وإنما ذكرت السبعة بعد ذلك على وجه المبالغة دون إرادة الحصر، وإلا فلو اجتمعت عشرات البحار ما نفدت كلمات الله. قال صاحب الكشاف فإن قلت مقتضى الكلام أن يقال ولو أن الشجر أقلام، والبحر مداد؟ قلت أغنى عن ذكر المداد قوله { يَمُدُّهُ } لأنه من قولك مد الدواة وأمدها. جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة، وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادا، فهى تصب فيه مدادها أبدا صبا لا ينقطع. فإن قلت الكلمات جمع قلة، والموضع موضع التكثير لا التقليل، فهلا قيل كلم الله؟. قلت معناه أن كلماته لا تفى بكتابها البحار فكيف بكلمه؟. وقال الآلوسى والمراد بكلماته - تعالى - كلمات علمه - سبحانه - وحكمته.

السابقالتالي
2