الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } * { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ }

قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ.. } استدلال آخر على قدرته - تعالى - ومعنى { مِّن ضَعْفٍ } من نطفة ضعيفة، أو فى حال ضعف، وهو ما كانوا عليه فى الابتداء من الطفولة والصغر.. وقرأ الجمهور بضم الضاد، وقرأ عاصم وحمزة بفتحها، والضعف - بالضم والفتح - خلاف القوة، وقيل بالفتح فى الرأى، وبالضم فى الجسد... ". وقال - سبحانه - { خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } ولم يقل خلقكم ضعافاً.. للإشعار بأن الضعف هو مادتهم الأولى التى تركب منها كيانهم، فهو شامل لتكوينهم الجسدى، والعقلى، والعطافى، والنفسى.. إلخ. أى الله - تعالى - بقدرته، هو الذى خلقكم من ضعف ترون جانباً من مظاهره فى حالة طفولتكم وحداثة سنكم... { ثُمَّ جَعَلَ } - سبحانه - { مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً } أى ثم جعل لكم من بعد مرحلة الضعف مرحلة أخرى تتمثل فيها القوة بكل صورها الجسدية والعقلية والنفسية.. { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً } أى ثم جعل من بعد مرحلة القوة، مرحلة ضعف آخر، تعقبه مرحلة أخرى أشد منه فى الضعف، وهى مرحلة الشيب والهرم والشيخوخة التى هى أرذل العمر، وفيها يصير الإِنسان أشبه ما يكون بالطفل الصغير فى كثير من أحواله.. { يَخْلُقُ } - سبحانه - { مَا يَشَآءُ } خلقه { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } بكل شئ { ٱلْقَدِيرُ } على كل شئ. فأنت ترى أن هذه الآية قد جمعت مراحل حياة الإِنسان بصورها المختلفة. ثم بين - سبحانه - ما يقوله المجرمون عندما يبعثون من قبورهم للحساب فقال { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ }. والمراد بالساعة يوم القيامة، وسميت بذلك لأنها تقوم فى آخر ساعة من عمر الدنيا، أو لأنها تقع بغتة، والمراد بقيامها حصولها ووجودها، وقيام الخلائق فى ذلك الوقت للحساب أى وحين تقوم الساعة ويرى المجرمون أنفسهم وقد خرجوا من قبورهم للحساب بسرعة ودهشة، يقسمون بأنهم ما لبثوا فى قبورهم أو فى دنياهم، غير وقت قليل من الزمان. قال ابن كثير يخبر الله - تعالى - عن جهل الكفار فى الدنيا والآخرة، ففى الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأصنام، وفى الآخرة يكون منهم جهل عظيم - أيضاً - فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا فى الدنيا إلا ساعة واحدة. ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم. وقوله { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } تذييل قصد به بيان ما جبلوا عليه من كذب. ويؤفكون من الافك بمعنى الكذب. يقال أفك الرجل، إذا صرف عن الخير والصدق أى مثل هذا الكذب الذى تفوهوا به فى الآخرة كانوا يفعلون فى الدنيا، فهم فى الدارين لا ينفكون عن الكذب وعن اختلاق الباطل.

السابقالتالي
2 3