الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } * { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } * { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ }

وقوله - سبحانه - { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ... } بيان لأنواع أخرى من الظواهر الكونية الدالة على قدرته - عز وجل -. أى ومن الآيات والبراهين الدالة على وحدانية الله - تعالى - ونفاذ قدرته، أنه - سبحانه - يرسل بمشيئته وإرادته الرياح، لتكون بشارة بأن من ورائها أمطارا، فيها الخير الكثير للناس. قال الآلوسى قوله { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ } أى الجنوب، ومهبها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا، والصبا ومهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش. والشمال ومهبها من بنات نعش إلى مسقط النسر الطائر، فإنها رياح الرحمة. أما الدبور ومهبها من مسقط النسر الطائر إلى مطلع سهيل، فريح العذاب... ". وقوله { وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ.. } بيان للفوائد التى تعود على الناس من إرسال الرياح التى تعقبها الأمطار، وهو متعلق بقوله { يُرْسِلَ }. أى يرسل الرياح مبشرات بالأمطار ويرسلها ليمنحكم من رحمته الخصب والنماء لزرعكم، ولتجرى الفلك عند هبوبها فى البحر بإذنه - تعالى - ولتبتغوا أرزاقكم من فضله - سبحانه - عن طريق الأسفار، والانتقال من مكان إلى آخر، ولكى تشكروا الله - تعالى - على هذه النعم فإنكم إذا شكرتموه - سبحانه - على نعمه زادكم منها. وقوله - تعالى - { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ... } كلام معترض بين الحديث عن نعمة الرياح، لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما لقحه من قومه من أذى. أى ولقد أرسلنا من قبلك - أيها الرسول الكريم - رسلاً كثيرين، إلى قومهم ليهدوهم إلى الرشد، وجاء كل رسول إلى قومه بالحجج الواضحات التى تدل على صدقه. وقوله { فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } معطوف على كلام محذوف. أى أرسلناهم بالحجج الواضحات، فمن أقوامهم من آمن بهم، ومنهم من كذبهم، فانتقمنا من المكذبين لرسلهم. { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } أى وكان نصر المؤمنين حقاً أوجبناه على ذاتنا، فضلاً منا وكرماً، وتكريماً وإنصافاً لمن آمن بوحدانيتنا، وأخلص العبادة لنا. " وحقا " خبر كان، و " نصر المؤمنين " اسمها و " علينا " متعلق بقوله حقا. قال ابن كثير قوله { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } هو حق أوجبه على نفسه الكريمة، تكريماً وتفضلاً، كقولهكَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } وعن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من امرئ مسلم يرد من عرض أخيه، إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا صلى الله عيله وسلم هذه الآية ". ثم تعود السورة مرة أخرى إلى الحديث عن الرياح وما يترتب عليها من منافع فتقول { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ } بقدرته ومشيئته.

السابقالتالي
2 3 4