الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } * { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } * { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

قال ابن كثير ما ملخصه قال ابن عباس وغيره المراد بالبر ها هنا، الفيافى. وبالبحر الأمصار والقرى، ما كان منها على جانب نهر. وقال آخرون بل المراد بالبر هو البر المعروف. وبالبحر البحر المعروف. والقول الأول أظهر، وعليه الأكثر، ويؤيده ما ذكره ابن إسحاق فى السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح ملك أيلة، وكتب به ببحره - يعنى ببلده -. والمعنى ظهر الفساد فى البر والبحر، ومن مظاهر ذلك انتشار الشرك والظلم، والقتل وسفك الدماء، والأحقاد والعدوان، ونقص البركة فى الزروع والثمار والمطاعم والمشارب، وغير ذلك مما هو مفسدة وليس بمنفعة.. قال ابن كثير - رحمه الله - وقال أبو العالية من عصى الله فى الأرض فقد أفسد فيها، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، ولهذا جاء الحديث الذى رواه أبو داود " الحد يقام فى الأرض، أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحاً ". والسبب فى هذا أن الحدود إذا أقيمت، انكف الناس، أو أكثرهم، أو كثير منهم، عن تعاطى المحرمات. وإذا ارتكبت المعاصى كان سبباً فى محق البركات.. وكلما أقيم العدل كثرت البركات والخيرات. وقد ثبت فى الحديث الصحيح " إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ". وقوله - تعالى - { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ.. } بيان لسبب ظهور الفساد. أى عم الفساد وطم البر والبحر، بسبب اقتراف الناس للمعاصى. وانهماكهم فى الشهوات، وتفلتهم من كل ما أمرهم الله - تعالى - به، أو نهاهم عنه، كما قال - تعالى -وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } فظهور الفساد وانتشاره، لا يتم عبثاً أو اعتباطاً، وإنما يتم بسبب إعراض الناس عن طاعة الله - تعالى -، وارتكابهم للمعاصى... ثم بين - سبحانه - ما ترتب على الوقوع فى المعاصى من بلاء واختبار، فقال { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }. واللام فى " ليذيقهم " للتعليل وهى متعلقة بظهر. أى ظهر الفساد... ليذيق - سبحانه - الناس نتائج بعض اعمالهم السيئة، كى يرجعوا عن غيرهم وفسقهم، ويعودوا إلى الطاعة والتوبة. ويجوز ان تكون متعلقة بمحذوف، اى عاقبهم بانتشار الفساد بينهم، ليجعلهم يحسون بسوء عاقبة الولوغ فى المعاصى، ولعلهم يرجعون عنها، إلى الطاعة والعمل الصالح. ثم يلفت - سبحانه - أنظار الناس إلى سوء عاقبة من ارتكس فى الشرك والظلم، فيقول { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ }. أى قل - أيها الرسول الكريم - للناس سيروا فى الأرض سير المتأملين المعتبرين، لتروا بأعنيكم، كيف كانت عاقبة الظالمين من قبلكم.

السابقالتالي
2