الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }

و { مِّنْ } فى قوله - سبحانه - { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ابتدائية، والجار والمجرور فى محل نصب، صفة لقوله { مَّثَلاً }. أى ضرب لكم - أيها الناس - مثلا، يظهر منه بطلان الشرك ظهورا واضحا، وهذا المثل كائن من أحوال أنفسكم، التى هى أقرب شئ لديكم. قال القرطبى والآية نزلت فى كفار قريش، كانوا يقولون فى التلبية " لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.. ". وقوله - تعالى - { هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } تصوير وتفضيل للمثل، والاستفهام للإِنكار والنفى. و { مِّن } الأولى للتبعيض، والثانية لتأكيد النفى، وقوله { شُرَكَآءَ } مبتدأ، وخبره { لَّكُمْ } وقوله { مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } متعلق بمحذوف حال من شركاء. وقوله { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } جواب للاستفهام الذى هو بمعنى النفى. والجملة مبتدأ وخبر. وقوله { تَخَافُونَهُمْ } خبر ثان لأنتم، وقوله { كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } صفة لمصدر محذوف، أى تخافونهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من هو من نوعكم. والمعنى ضرب الله - تعالى - لكم - أيها الناس - مثلا منتزعا من أنفسكم التى هى أقرب شئ إليكم، وبيان هذا المثل أنكم لا ترضون أن يشارككم فى أموالاكم التى رزقناكم إياها، عبيدكم وإماؤكم، مع أنهم مثلكم فى البشرية، ونحن الذين خلقناهم كما خلقناكم، بل إنكم لتخافون على أموالكم منهم، أن يشاركوكم فيها، كما تخافون عليها من الأحرار المشابهين لكم فى الحرية وفى جواز التصرف فى تلك الأموال. فإذا كان هذا شأنكم مع عبيدكم - الذين هم مثلكم فى البشرية، والذين لم تخلقوهم بل نحن الذين خلقناكم وخلقناهم - فكيف أجزتم لأنفسكم أن تشركوا مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة، مع أنه - سبحانه - هو الخالق لكم ولهم، والرازق لكم ولهم؟!!. إن تصرفكم هذا ظاهر التناقض والبطلان، لأنكم لم ترضوا أن يشارككم غيركم فى أموالكم، ورضيتم أن تشركوا مع الله - تعالى - غيره فى العبادة، مع أنه - سبحانه - هو الخالق والرازق لكل شئ. فالمقصود من الآية الكريمة، إبطال الشرك بأبلغ أسلوب، وأوضح بيان، وأصدق حجة، وأقوى دليل. ولذا ختمها - سبحانه - بقوله { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أى مثل ذلك التفصيل الجلى الواضح، نفصل الآيات الدالة على وحدانيتنا، لقوم يعقلون هذه الأمثال، وينتفعون بها فى إخلاص العبادة لله الواحد القهار. قال الإِمام القرطبى قال بعض العلماء هذه الآية أصل فى الشركة بين المخلوقين، لافتقار بعضهم إلى بعض، ونفيها عن الله - سبحانه - وذلك أنه قال - سبحانه - { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } فيجب أن يقولوا ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا، فيقال لهم فكيف يتصور أن تنزهوا أنفسكم عن مشاركة عبيدكم، وتجعلوا عبيدى شركائى فى خلقى، فهذا حكم فاسد، وقلة نظر وعمى قلب!! فإذا أبطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة، والخلق كلهم عبيد الله - تعالى - فيبطل أن يكون شئ من العالم شركا لله - تعالى - فى شئ من أفعاله.

السابقالتالي
2 3