الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

قال الفخر الرازى ما ملخصه فى اتصال هاتين الآيتين بما قبلهما وجوه الأول أن المراد منهما الجواب عن شبهة أخرى من شبهات اليهود فى إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه لما حولت القبلة إلى الكعبة طعن اليهود فى نبوته وقالوا إن بيت المقدس أفضل من الكعبة وأحق بالاستقبال، وذلك لأنه وضع قبل الكعبة وهو أرض المحشر، وقبلة جملة الأنبياء، وإذا كان كذلك كان تحويل القبلة إلى الكعبة باطلا، فأجاب الله عنه بقوله { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } فبين - سبحانه - أن الكعبة أفضل من بيت المقدس وأشرف فكان جعلها قبلة أولى ". والمراد بالأولية أنه أول بيت وضعه الله لعبادته فى الأرض، وقيل المراد بها كونه أولا فى الوضع وفى البناء، ورووا فى ذلك آثارا ليس فيها ما يعتمد عليه. وبكة لغة فى مكة عند الأكثرين، والباء والميم تعقب إحداهما الأخرى كثيراً، ومنه النميط والنبيط فهما اسم لموضع. وقيل هما متغايران فبكة موضع المسجد ومكة اسم البلد بأسرها. وأصل كلمة بكة من البك وهو الازدحام. يقال تباك القوم إذا تزاحموا، وكأنها سميت بذلك لازدحام الحجيج فيها. والبك أيضاً دق العنق، وكأنها سميت بكة لأن الجبابرة تندق أعناقهم إذا أرادوها بسوء. وقيل إنها مأخوذة من بكأت الناقة أو الشاة إذا قل لبنها، وكأنها إنما سميت بذلك لقلة مائها وخصبها. والمعنى إن أول بيت وضعه الله - تعالى - للناس فى الأرض ليكون متعبداً لهم، هو البيت الحرام الذى بمكة، حيث يزدحم الناس أثناء طوافهم حوله، وقد أتوا إليه رجالا وعلى كل ضامر من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم. روى الشيخان عن أبى ذر قال " قلت يا رسول الله أى مسجد وضع فى الأرض أول؟ قال المسجد الحرام. قلت ثم آى؟ قال المسجد الأقصى. قلت كم بينهما؟ قال أربعون سنة، ثم قال حيثما أدركتك الصلاة فصل. والأرض لك مسجد ". قالوا وقد أشكل هذا الحديث على من لم يعرف المراد منه فقال معلوم أن سليمان بن داود هو الذى بنى المسجد الأقصى، والذى بنى المسجد الحرام هو إبراهيم وابنه إسماعيل، وبينهما وبين سليمان أكثر من ألف سنة فيكف قال صلى الله عليه وسلم إن بين بناء المسجدين أربعين سنة! والجواب أن الوضع غير البناء، فالذى أسس المسجد الأقصى ووضعه فى الأرض بأمر الله سيدنا يعقوبن بن إسحاق بن إبراهيم وبين إبراهيم ويعقوب هذه المدة التى جاءت فى الحديث، أما سليمان فلم يكن مؤسساً للمسجد الأقصى أو واضعاً له وإنما كان مجددا فلا إشكال ولا منافاة.

السابقالتالي
2 3 4 5