الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

روى المفسرون روايات فى سبب نزول هذه الآيات الكريمة منها ما أخرجه النسائى عن ابن عباس قال. إن رجلا من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه سلوا لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لى من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا. هل له من توبة؟ فنزلت هذه الآيات، فأرسل إليه قومه فأسلم. وعن مجاهد قال جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله هذه الآيات. قال فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه. فقال الحارث إنك والله - ما علمت - لصدوق، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك، وإن الله - عز وجل - لأصدق الثلاثة، قال فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه وعن الحسن البصرى أنه قال إنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعت النبى صلى الله عليه وسلم فى كتابهم وأقروا به، وشهدوا أنه حق، فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسداً للعرب حين بعث من غيرهم. هذه بعض الروايات التى وردت فى سبب نزول هذه الآيات، ويبدو لنا أن أقربها إلى سياق الآيات هى الرواية التى جاءت عن الحسن البصرى بأن المقصود بالآيات أهل الكتاب، وذلك لأن الحديث معهم من أول السورة ولأن القرآن قد ذكر فى غير موضع أن أهل الكتاب كانوا يعرفون صدق النبى صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، وأنهم كانوا يستفتحون بهعَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } ومع هذا فليس هناك ما يمنع من أن يكون حكم هذه الآيات شاملا لكل من ذكرتهم الروايات ولكل من يشابههم، إذ العبرة لعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قال ابن جرير - بعد أن ساق هذه الروايات - ما ملخصه وأشبه هذه الأقوال بظاهر التنزيل ما قاله الحسن من أن هذه الآيات معنى بها أهل الكتاب على ما قال، وجائز أن يكون الله - تعالى - أنزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذكر أنهم كانوا ارتدوا عن الإِسلام، فجمع قصتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم فى ارتداده عن الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فى هذه الآيات، ثم عرف عباده سنته فيهم فيكون داخلا فى ذلك كل من كان مؤمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ثم كفر به بعد أن بعث، وكل من كان كافرا ثم أسلم على عهده صلى الله عليه وسلم ثم ارتد وهو حى عن إسلامه، فيكون معينا بالآيات جميع هذين الصنفين وغيرهما ممن كان بمثل معناهما، بل ذلك كذلك إن شاء الله.

السابقالتالي
2 3 4