الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

قوله - تعالى - { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } الظرف " إذ " منصوب بفعل مقدر تقديره اذكر، والخطاب فيه للنبى صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للخطاب. والميثاق هو العقد المؤكد بيمين. أى اذكر يا محمد أو أيها المخاطب وقت أن أخذ الله الميثاق من النبيين. وللمفسرين فى تفسير هذه الآية الكريمة أقوال أشهرها قولان أولهما وهو رأى جمهور العلماء - أن المراد أن الله - تعالى - أخذ الميثاق من النبيين. وثانيهما وهو رأى بعض العلماء - أن المراد أن الأنبياء هم الذين أخذوا الميثاق من غيرهم. والمعنى على رأى فريق من أصحاب القول الأول - منهم الحسن والسدى وسعيد بن جبير - أن الله - تعالى - أخذ الميثاق من النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً، وأخذ العهد على كل نبى أن يؤمن بمن يأتى بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه فإن لم يدركه يأمر قومه بنصرته إن أدركوه. فأخذ - سبحانه - الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد - صلوات الله وسلامه عليهم جميعا - وإذا كان حكم الأنبياء، كانت الأمم بذلك أولى وأحرى. والمعنى على رأى فريق من أصحاب هذا القول منهم على وابن عباس وقتادة أن الله - تعالى - أخذ الميثاق من النبيين أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا أدركوه، وأن يأمروا أقوامهم بالإِيمان به. قالوا يؤيد هذا ما أخرجه ابن جرير عن على بن أبى طالب قال لم يبعث الله نبياً آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد فى محمد صلى الله عليه وسلم لئن بعث وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه. ثم تلا الآية ". فكأن أصحاب هذا القول الأول متفقون فيما بينهم عن أن الميثاق إنما أخذه الله من النبيين إلا أن بعضهم يرى أن هذا الميثاق أخذه الله منهم لكى يصدق بعضهم بعضا والبعض الآخر يرى أن هذا الميثاق أخذه الله منهم فى شأن محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. قال ابن كثير ما ملخصه. وما قاله الحسن ومن معه لا يضاد ما قاله على وابن عباس ولا ينفيه، بل يستلزمه ويقتضيه.... وقد روى الإِمام أحمد عن عبد الله بن ثابت قال " جاء عمر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى مررت بأخ لى من بنى قريظة، فكتب لى جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال فتغير وجه النبى صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت فقلت له ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر رضيت بالله ربا، وبالإِسلام دينا، وبمحمد رسولا. قال فسرى عن النبى صلى الله عليه وسلم وقال " والذى نفسى بيده لو أصبح فيكم موسى - عليه السلام - ثم اتبعتموه وتركتمونى لضللتم، إنكم حظى من الأمم وأنا حظكم من النبيين " ".

السابقالتالي
2 3 4 5