الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

اشتملت هاتان الآيتان على دعوات طيبات. ويرى بعض العلماء أن هذه الدعوات من مقول الراسخين فى العلم، فهم يقولونآمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } ويقولون أيضاً { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } ويرى بعضهم أن هذا الكلام جديد، وهو تعليم من الله - تعالى - لعباده ليكثروا من التضرع إليه بهذه الدعوات وأمثالها. والزيغ - كما أشرنا فى الآية السابقة - الميل عن الاستقامة، والانحراف عن الحق، يقال زاغ يزيغ أى مال ومنه زاغت الشمس إذا مالت. والمعنى نسألك يا ربنا ونضرع إليك ألا تميل قلوبنا عن الهدى بعد إذ ثبتنا عليه ومكنتنا منه. وأن تباعد بيننا وبين الزيغ الذى لا يرضيك. وبين الضلال الذى يفسد القلوب، ويعمى البصائر. { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } أى وامنحنا من عندك ومن جهتك إنعاماً وإحسانا تشرح بهما صدورنا. وتصلح بهما أحوالنا { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } لا غيرك، فأنت مالك الملك وأنت القائلمَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد تضمنت سؤال المؤمنين ربهم تثبيت الإِيمان فى قلوبهم ومنحهم المزيد من فضله وإنعامه وإحسانه. قال الفخر الرازى - ما ملخصه - وقال - سبحانه - { رَحْمَةً } ليكون ذلك شاملا لجميع أنواعها التى تتناول حصول نور الإِيمان والتوحيد والمعرفة فى القلب، وحصول الطاعة فى الأعضاء والجوارح، وحصول سهولة أسباب المعيشة والأمن والصحة والكفاية فى الدينا وحصول سهولة سكرات الموت عند حضوره، وحصول سهولة السؤال فى القبر، وغفران السيئات والفوز بالجنات فى الآخرة. وقوله { مِن لَّدُنْكَ } يتناول كل هذه الأقسام. لأنه لما ثبت بالبراهين الباهرة أنه لا رحيم إلا هو أكد ذلك بقوله " من لدنك " تنبيها للعقل والقلب والروح على أن هذا المقصود لا يحصل إلا منه - سبحانه - ثم قال { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } كأن العبد يقول إلهى هذا الذى طلبته منك فى هذا الدعاء عظيم بالنسبة إلى، حقير بالنسبة إلى كمال كرمك، فأنت الوهاب الذى من هبتك حصلت حقائق الأشياء وذواتها وماهياتها ووجوداتها، فكل ما سواك فمن جودك وإحسانك فلا تخيب رجاء هذا المسكين، ولا ترد دعاءه واجعله أهلا لرحمتك ". هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير وغيره بعض الأحاديث النبوية عند تفسيرهم لهذه الآية ومن ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائى وابن مردويه عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال " لا إله إلا أنت سبحانك أستغفرك لذنبى وأسألك رحمتك. اللهم زدنى علما، ولا تزغ قلبى بعد إذ هديتنى، وهب لى من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ".

السابقالتالي
2