الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }

قال الإِمام الرازى اعلم أن تعلق هذه الآية - وهى قوله - ومن أهل الكتاب... بما قبلها من وجهين الأول أنه - تعالى - حكى عنهم فى الآية المتقدمة أنهم ادعوا أنهم أوتوا من المناصب الدينية ما لم يؤت أحد غيرهم مثله، ثم إنه - تعالى - بين أن الخيانة مستقبحة عند جميع أرباب الأديان وهم مصرون عليها فدل هذا على كذبهم. والثانى أنه - تعالى - لما حكى عنهم فى الآية المتقدمة قبائح أحوالهم فيما يتعلق بالأديان وهو أنهم قالواوَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } حكى فى هذه الآية بعض قبائح أحوالهم فيما يتعلق بمعاملة الناس، وهو إصرارهم على الخيانة والظلم وأخذ أموال الناس فى القليل والكثير. قال ابن عباس أودع رجل عند عبد الله بن سلام ألفا ومائتى أوقية من ذهب فأداها إليه. وأودع رجل آخر عند فنحاص بن عازوراء اليهودى دينارا فخانه فنزلت الآية. والمعنى إن من أهل الكتاب فريقاً أن تأتمنه على الكثير والنفيس من الأموال يؤده إليك عند طلبه كاملا غير منقوص، وإن منهم فريقاً آخر إن تأتمنه على القليل والحقير من حطام الدنيا يستحله ويجحده ولا يؤديه إليك إلا إذا داوم صاحب الحق على المطالبة بحقه واستعمل كل الوسائل فى الحصول عليه. فالآية الكريمة قد مدحت من يستحق المدح من أهل الكتاب وهو الفريق الذى استجاب للحق وآمن بالنبى صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأمثاله من مؤمنى أهل الكتاب. وذمت من يستحق الذم منهم وهو الفريق الذى لا يؤدى الأمانة، ولم يستجب للحق، بل استمر على كفره وجحوده، وهذا القسم يمثل أكثرية أهل الكتاب. والمراد من ذكر القنطار والدينار هنا العدد الكثير والعدد القليل. أى أن منهم من هو فى غاية الأمانة حتى أنه لو اؤتمن على الأموال الكثيرة لأداها، ومنهم من هو فى غاية الخيانة حتى أنه لو اؤتمن على الشىء القليل لجحده. وقوله { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } استثناء من أعم الأحوال أو الأوقات. أى لا يؤده إليك فى حال من الأحوال أو فى وقت من الأوقات إلا فى حال أو فى وقت مداومتك على طلبه، والإِلحاح فى ذلك، واستعمال كل الوسائل للوصول إلى حقك. قال الجمل و " دمت " هذه هى الناقصة، ترفع وتنصب، وشرط أعمالها أن يتقدمها ما الظرفية كهذه الآية إذ التقدير إلا مدة دوامك. وأصل هذه المادة للدلالة على الثبوت والسكون. يقال دام الماء، أى سكن. وفى الحديث " لا يبولن أحدكم فى الماء الدائم " أى الذى لا يجرى... ومنه دام الشىء إذا امتد عليه زمان.

السابقالتالي
2 3 4