الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

فأنت إذا تأملت فى هذه الآيات الكريمة تراها قد حكت عن طائفة من أهل الكتاب طريقة ماكرة لئيمة، هى تظاهرهم بالإِسلام لفترة من الوقت ليحسن الظن بهم من ليس خبيرا بمكرهم وخداعهم، حتى إذا ما اطمأن الناس إليهم جاهروا بكفرهم ورجعوا إلى ما كانوا عليه، ليوهموا حديثى العهد بالإِسلام أو ضعاف الإِيمان، أنهم قوم يبحثون عن الحقيقة، وأنهم ليس عندهم أى عداء للنبى صلى الله عليه وسلم بل إن الذى حصل منهم هو أنهم بعد دخولهم فى الإِسلام وجدوه دينا باطلا وأنهم ما عادوا إلى دينهم القديم إلا بعد الفحص والاختبار وإمعان النظر فى دين الإِسلام. ولا شك أن هذه الطريقة التى سلكها بعض اليهود لصرف بعض المسلمين عن الإِسلام من أقوى ما تفتق عنه تديبرهم الشيطانى، لأن إعلانهم الكفر بعد الإِسلام، وبعد إظهارهم الإِيمان به، من شأنه أن يدخل الشك فى القلوب ويوقع ضعاف الإِيمان فى حيرة واضطراب، خاصة وأن العرب - فى مجموعهم - قوم أميون ومنهم من كان يعتقد أن اليهود أعرف منهم بمسائل العقيدة والدين. فيظن أنهم ما ارتدوا عن الإِسلام إلا بعد اطلاعهم على نقص فى تعاليمه. والمتتبع لمراحل التاريخ قديما وحديثا يرى أن الدهاة فى السياسة والحرب يتخذ هذه الخدعة ذريعة لإِشاعة الخلل والاضطراب فى صفوف أعدائه. قال الأستاذ الشيخ محمد عبده - رحمه الله " هذا النوع الذى تحكيه الآيات من صد اليهود عن الإِسلام مبنى على قاعدة طبيعية فى البشر، وهى أن من علامة الحق أن لا يرجع عنه من يعرفه. وقد فقه هذا، هرقل، ملك الروم، فكان مما سأل عنه أبا سفيان من شئون النبى صلى الله عليه وسلم أن قال له " هل يرتد أحد من أتباع محمد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فقال أبو سفيان لا. وقد أرادت هذه الطائفة أن تغش الناس من هذه الناحية ليقولوا لولا أن ظهر لهؤلاء بطلان الإِسلام لما رجعوا عنه بعد أن دخلوا فيه، واطلعوا على بواطنه وخوافيه، إذ لا يعقل أن يترك الإِنسان الحق بعد معرفته، ويرغب عنه بعد الرغبة فيه بغير سبب ". هذا، وقد روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات الكريمة روايات متعددة كلها تدور حول المعنى الذى قررناه. ومن هذه الروايات ما أخرجه ابن جرير عن قتادة قال فى قوله - تعالى - { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ }.. ألخ قال بعض أهل الكتاب لبعض " أعطوهم الرضا بدينهم أول النهار، واكفروا آخره فإنه أجدر أن يصدقوكم ويعلموا أنكم قد رأيتم ما تكرهونه فى دينهم، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6