الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } * { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ }

وقوله - تعالى - { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ } اسم الإِشارة فيه وهو " ذلك " مشار به إلى المذكور من قصى آل عمران وقصة مريم وأمها، وقصة زكريا وندائه لربه، وقصة عيسى وما أجراه الله - تعالى - على يديه من معجزات وما خصه به من كرامات. أى ذلك القصص الحكيم الذى قصصناه عليك يا محمد { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ } أى نقصه عليك متتابعا بعضه تلو بعض من غير أن يكون لك اطلاع سابق عليه. فأنت لم تكن معاصراً لهؤلاء الذين ذكرنا لك قصصهم وأحوالهم وهذا من أكبر الأدلة على صدقك فيما تبلغه عن ربك. وقوله { ذٰلِكَ } مبتدأ وقوله { نَتْلُوهُ عَلَيْكَ } خبره. وقوله { مِنَ الآيَاتِ } حال من الضمير المنصوب فى { نَتْلُوهُ }. والمراد بالآيات الحجج الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم وقوله { وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ } أى والقرآن المحكم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمشتمل على الحكم التى من شأنها أن تهدى الناس إلى ما يسعدهم متى اتبعوها وقيل المراد بالذكر الحكيم اللوح المحفوظ الذى نقلت منه جميع الكتب المنزلة على الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام-. ثم بين - سبحانه - أن خلق عيسى من غير أب ليس مستبعدا على الله - تعالى - فقد خلق آدم كذلك فقال { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }. والمثل هنا بمعنى الصفة والحال والعجيبة الشأن، ومحل التمثيل كون كليهما قد خلق بدون أب، والشىء قد يشبه بالشىء متى اجتمعا ولو فى وصف واحد. والمعنى إن شأن عيسى وحاله الغريبة { عِندَ ٱللَّهِ } أى فى تقديره وحكمه { كَمَثَلِ ءَادَمَ } أى كصفته وحاله العجيبة فى أن كليهما قد خلقه الله - تعالى - من غير أب، ويزيد آدم على عيسى أنه خلق بدون أم - أيضاً -. فالآية الكريمة ترد رداً منطقيا حكيما يهدم زعم كل من قال بألوهية المسيح أو اعتبره ابن الله. وكأن الآية الكريمة تقول لمن ادعى ألوهية عيسى لأنه خلق من غير أب أنه إذا كان وجود عيسى بدون أب يسوغ لكم أن تجعلوه إلها أو ابن إله فأولى بذلك ثم أولى آدم لأنه خلق من غير أب ولا أم. وما دام لم يدع أحد من الناس ألوهية آدم لهذا السبب فبطل حينئذ القول بألوهية عيسى لانهيار الأساس الذى قام عليه وهو خلقه من غير أب. ولأنه إذا كان الله - تعالى - قادرا على أن يخلق إنساناً بدون أب ولا أم. فأولى ثم أولى أن يكون قادراً على خلق إنسان من غير أب فقط.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7