الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } * { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } * { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ }

فقوله - تعالى - { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } شروع فى بيان مآل أحواله - عليه السلام - وفى بيان موقف قومه منه بعد أن بين - قبل ذلك بعض صفاته ومعجزاته وخصائص رسالته. وأحس بمعنى علم ووجد وعرف. والإِحساس الإِدراك ببعض الحواس الخمس وهى الذوق والشم واللمس والسمع والبصر. يقال أحس الشىء، علمه بالحس. وأحس بالشىء شعر به بحاسته والمراد أن عيسى عليه السلام، علم من بنى إسرائيل الكفر علما لا شبهة فيه. والأنصار جمع نصير مثل شريف وأشراف. والمعنى أن عيسى - عليه السلام - قد جاء لقومه بالمعجزات الباهرات التى تشهد بصدقه فى دعوته ولكنه لم يجد منهم أذنا واعية، فلما رأى تصميمهم على باطلهم، وأحس منهم الكفر أى علمه يقينا وتحققه تحقق ما يدرك بالحواس، قال على سبيل التبليغ وطلب النصرة من أنصارى إلى الله؟ أى من أعوانى فى الدعوة إلى الله والتبشير بدينه حتى أبلغ ما كلفنى بتبليغه. قال ابن كثير وذلك كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى مواسم الحج قبل أن يهاجر " هل من رجل يؤوينى وينصرنى حتى أبلغ كلام ربى فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربى " فقيض الله له الأنصار فآووه ونصروه ومنعوه من الأسود والأحمر ". والفاء فى { فَلَمَّآ } تؤذن بالتعقيب على الآيات الباهرة. أى أنهم بعد أن رأوا ما رأوا من معجزات عيسى لم يمتثلوا له ولم يتدبروا عاقبة أمرهم بل كذبوه على الفور، وحاولوا قتله تخلصا منه واستمروا على كفرهم. والتعبير بأحس - كما أشرنا من قبل - يشعر بأنه علم منهم الكفر علما لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس. والمقول لهم { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } هم الحواريون كما يشير إليه قوله - تعالى - فى سورة الصفيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } وقيل المقول لهم جميع أفراد قومه. وقوله { مِنْهُمُ } متعلق بأحس. ومن لابتداء الغاية أى ابتداء الإِحساس من جهتهم. أو متعلق بمحذوف على أنه حال من الكفر أى أحس الكفر حال كونه صادرا منهم. وقوله { إِلَى ٱللَّهِ } متعلق بمحذوف على أنه حال من الياء فى أنصارى. أى من أنصارى حال كونى ذاهبا إلى الله أى ملتجئا إليه وشارعا فى نصرة دينه. وفى قوله { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } حض لهم على المسارعة إلى نصرة الحق لأنهم لا ينصرونه من أجل متعة زائلة. وإنما هم ينصرونه لأنه يدافع عن دين الله ويبشر به، ومن نصر دين الله، نصره الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6