الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } * { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

فأنت ترى فى هذه الآيات الكريمة بيانا حكيما عن طبيعة رسالة عيسى - عليه السلام - وعن معجزاته التى أكرمه الله - تعالى - بها. وقوله - تعالى - { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } معطوف على { يُبَشِّرُكِ } أى يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه... وإن الله يعلم ذلك المولود - المعبر عنه بالكلمة - الكتاب، وقرأ بعضهم ونعلمه الكتاب.. وعلى هذه القراءة تكون هذه الجملة معمولة لقوله محذوف من كلام الملائكة أى ويقول الله - تعالى - ونعلمه.. وتكون فى المعنى معطوفة على الحال وهى قوله " وجيها " فكأنه قال وجيها ومعلماً. وعلى كلتا القراءتين يجوز أن تكون الجملة المستأنفة سيقت تطييبا لقلب مريم، وإراحة لما أهمها من خوف الملامة حين علمت أنها تلد من غير أن يمسها بشر. ولقد حكى القرآن عنها فى سورة مريم قولها بتحسر وألم عندما جاءها المخاضيٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } والمراد بالكتاب الكتابة والخط، فإن عيسى - عليه السلام - قد بعثه الله - تعالى - فى أمة ارتقت فيها ألوان العلم والمعرفة فأكرمه الله بأن جعله يفوق غيره فى هذه النواحى. وقيل المراد بالكتاب جنس الكتب الإِلهية. قال الفخر الرازى " والأقرب عندى أن يقال المراد من الكتاب تعليم الخط والكتابة. ثم المراد بالحكمة تعليم العلوم وتهذيب الأخلاق، لأن كمال الإِنسان فى أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به، ومجموعهما هو المسمى بالحكمة، ثم بعد أن صار عالما بالخط والكتابة ومحيطاً بالعلوم العقلية والشرعية يعمله التوراة. وإنما أخر تعليم التوراة عن تعليم الخط والحكمة، لأن التوراة كتاب إلهى فيه أسرار عظيمة والإِنسان مالم يتعلم العلوم الكثيرة لا يمكنه أن يخوض فى البحث عن أسرار الكتب الإِلهية. ثم قال فى المرتبة الرابعة والإِنجيل. وإنما أخر ذكر الإِنجيل عن التوراة لأن من تعلم الخط، ثم تعلم علوم الحق، ثم أحاط بأسرار الكتاب الذى نزل على من قبله من الأنبياء فقد عظمت درجته فى العلم فإذا أنزل الله عليه بعد ذلك كتابا آخر وأوقفه على أسراره فذلك هو العناية القصوى والمرتبة العليا في العلم والفهم والإِحاطة بالأسرار العقلية والشرعية، والاطلاع على الحكم العلوية والسفلية ". وبعد أن أشار - سبحانه - إلى علم الرسالة التى هيأ لها عيسى - عليه السلام - عقب ذلك ببيان القوم الذين أرسل إليهم فقال - تعالى - { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أى أن الله - تعالى - سيجعل عيسى - عليه السلام - رسولا إلى بنى إسرائيل لكى يهديهم إلى الصراط المستقيم، ولكى يبشرهم برسول يأتى من بعده هو خاتم الأنبياء والمرسلين، ألا وهو محمد صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6