الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } * { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } * { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

وقوله - تعالى - { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ.. } إلخ معطوف على قولهإِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي } الخ عطف القصة على القصة، فإن الله - تعالى - بعد أن ذكر ما قالته امرأة عمران عندما أحست بالحمل. وبعد ولادتها لمريم، وما كان من شأنها وتربيتها وكفالتها بعد أن ذكر ذلك، بين - سبحانه - ما كان من أمر مريم بعد أن بلغت رشدها واكتمل تكوينها، وجاء بقصة زكريا بين قصة الأم وابنتها لما بينهما من مناسبة إذ أن دعاء زكريا ربه كان سببه ما رآه من إكرام الله - سبحانه - لمريم ولأن الكل لبيان اصطفاء آل عمران. والمعنى، واذكر يا محمد للناس وقت أن قالت الملائكة لمريم - التى تقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا - يا مريم { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاكِ } أى اختارك واجتباك لطاعته، وقبلك لخدمة بيته { وَطَهَّرَكِ } من الأدناس والأقذار، ومن كل ما يتنافى مع الخلق الحميد، والطبع السليم { وَٱصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَالَمِينَ } بأن وهب لك عيسى من غير أب دون أن يمسسك بشر. وجعلك أنت وهو آية للعالمين. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد مدح مريم مدحا عظيما بأن شهد لها بالاصطفاء والطهر والمحبة، وأكد هذا الخبر للاعتناء بشأنه، والتنويه بقدره. قال الفخر الرازي ما ملخصه والاصطفاء الأول إشارة إلى ما اتفق لها من الأمور الحسنة فى أول عمرها بأن قبل الله - تعالى - تحريرها أى خدمتها لبيته، مع أنها أنثى ولم يحصل مثل هذا المعنى لغيرها من الإِناث، وبأن فرغها لعبادته وخصها فى هذا المعنى بأنواع اللطف والهداية والعصمة، وبأن كفاها أمر معيشتها فكان يأتيها رزقها من عند الله.. وأما الاصطفاء الثانى فالمراد به أنه - تعالى - وهب لها عيسى - عليه السلام من غير أب، وجعلها وابنها آية للعالمين ". ولا شك أن ولادتها لعيسى من غير أب ودون أن يمسها بشر، هو أمر اختصت به مريم ولم تشاركها فيه امرأة قط فى أى زمان أو مكان، فهى أفضل النساء فى هذه الحيثية. أما من حيث قوة الإِيمان، وصلاح الأعمال فيجوز أن يحمل اصطفاؤها على نساء العالمين على معنى تفضيلها على عالمى زمانها من النساء وبعضهم يرى أفضليتها على جميع النساء فى سائر الأعصار. هذا وقد أورد ابن كثير عددا من الأحاديث التى وردت فى فضل مريم وفى فضل غيرها من النساء، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن على بن أبى طالب أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8