الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } * { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

والمعنى قل يا محمد لهؤلاء الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وقل لغيرهم ممن يوجه إليهم الخطاب، قل لهم على سبيل الإِرشاد والتحذير { إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ } من ولاية الكفار أو غيرها من الأقوال والأفعال { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } فيجازيكم عليه بما تستحقون. وفى أمر النبى صلى الله عليه وسلم بتوجيه هذا القول إلى المخاطبين ترهيب لهم من الآمر وهو الله - تعالى - لأن هذا التنويع فى الخطاب من شأنه أن يربى المهابة فى القلوب. وذلك - والله المثل الأعلى - كأن يقول الملك للمخالفين من رعيته أحذركم من مخالفتى، ثم يأمر أحد أصفيائه بأن يكرر هذا التحذير وأن يبين لهم سوء عاقبة المخالفين. وقوله { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } جملة مستأنفة وليست معطوفة على جواب الشرط وهو { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } ، وذلك لأن علمه - سبحانه - بما فى السماوات والأرض ليس متوقفا على شرط فلذلك جىء به مستأنفا. وهذا من باب ذكر العام بعد الخاص وهو علم ما فى صدوركم تأكيدا له وتقريراً. وقوله { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شِيْءٍ قَدِيرٌ } تذييل قصد به الإِخبار بأنه مع علمه الواسع المحيط، ذو قدرة نافذة على كل شىء وهذا لون من التهديد والتحذير لأن الذى يتوعد غيره بشىء لا يحول بينه وبين تحقيق هذا الشىء إلا أحد أمرين الجهل بجريمة المجرم، أو العجز عن تنفيذ وعيده، فلما أعلمهم - سبحانه - بأنه محيط بكل شىء وقادر على كل شىء، ثبت أنه - سبحانه - متمكن من تنفيذ وعيده. قال صاحب الكشاف " وقوله { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى هو قادر على عقوبتكم وهذا بيان لقوله { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } لأن نفسه وهى ذاته المميزة من سائر الذوات، متصفة بعلم ذاتى لا يختص بمعلوم دون معلوم. فهى متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور، فهى قادرة على المقدورات كلها فكان حقها أن تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب فإنه مطلع عليه لا محالة فلاحق به العقاب. ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الاطلاع على أحواله، فوكل همه بما يورد ويصدر، ونصب عليه عيونا، وبث من يتجسس عن بواطن أموره لأخذ حذره وتيقظ فى أمره، واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به، فما بال من علم أن العالم بالذات - يعنى أن علمه بذاته لا بعلم زائد عن ذاته كعلم الحوادث وهذا عند المعتزلة - الذى يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن. اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك ". ثم كرر - سبحانه - التحذير من الحساب يوم القيامة وما يقع فيه من أهوال ورغب المؤمنين فى العمل الصالح فقال { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً }.

السابقالتالي
2 3 4