الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

أورد المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها أن جماعة من اليهود كانوا يصادقون جماعة من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة ابن المنذر، وعبد الله بن جبير، وسعيد بن خيشمة لأولئك النفر من الأنصار اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا ملازمتهم ومباطنتهم لئلا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم وملازمتهم، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية ". وقوله { أَوْلِيَآءَ } جمع ولى، والولاء والتوالى - كما يقول الراغب أن يحصل شيئان فصاعداً حصولا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد. والولاية - بكسر الواو - النصرة والولاية - تولى الأمر، وقيل هما بمعنى واحد ". و " لا " ناهية. والفعل " يتخذ " مجزوم بها، وهو متعد لمفعولين أولهما { ٱلْكَافِرِينَ }. وثانيهما { أَوْلِيَآءَ }. والمعنى لا يحل للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء ونصراء، بل عليهم أن يراعوا ما فيه مصلحة الإِسلام والمسلمين، وأن يقدموها على ما بينهم وبين الكفار من قرابة أو صداقة أو غير ذلك من ألوان الصلات لأن فى تقديم مصلحة الكافرين على مصلحة المؤمنين تقديما للكفر على الإِيمان ومن شأن المؤمن الصادق فى إيمانه أن لا يصدر منه ذلك. وقد ورد مثل هذا النهى فى كثير من الآيات ومن ذلك قوله - تعالى -يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } وقوله - تعالى -يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } قال الآلوسي وقوله { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } حال من الفاعل، أى متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالا أو اشتراكا، ولا مفهوم لهذا الظرف إما لأنه ورد فى قوم بأعيانهم والَوْا الكفار دون المؤمنين فهو لبيان الواقع. أو لأن ذكره للإِشارة إلى أن الحقيق بالموالاة هم المؤمنون، وفى موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفار ". قالوا والموالاة الممنوعة هى التى يكون فيها خذلان للدين أو إيذاء لأهله أو إضاعة لمصالحهم، وأما ما عدا ذلك كالنجارة وغيرها من ضروب المعاملات الدنيوية فلا تدخل فى ذلك النهى، لأنها ليس معاملة فيها أذى للإِسلام والمسلمين ". وكرر - سبحانه - لفظ " المؤمنين " بأداة التعريف أل للإِشارة إلى أن الثانى هو عين الأول، وفى ذلك إشعار بأن المؤمنين الذين يتخذون الكافرين أولياء ونصراء، يتركون أنفسهم ويهملونها ويتخذون من عدونهم نهاية لها. ثم قال - تعالى - { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ } أى ومن يتخذ الكافرين أولياء وأنصارا من دون المؤمنين، فإنه فى هذه الحالة يكون بعيدا عن ولايته لله، ومنسلخا منها رأسا وليس بينه وبين الله صلة تذكر.

السابقالتالي
2 3 4