الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قال القرطبي قال ابن عباس وأنس بن مالك " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، ووعد أمته ملك فارس والروم، قال المنافقون واليهود هيهات هيهات! من أين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع فى ملك فارس والروم. فأنزل الله هذه الآية. والأمر بقوله { قُلِ } للنبى صلى الله عليه وسلم ولكل من يتأتى له الخطاب من المؤمنين. وكلمة { ٱللَّهُمَّ } يرى الخليل وسيبويه أن أصلها يا الله فلما استعملت دون حرف النداء الذى هو " يا " جعلوا هذه الميم المشددة التى فى آخرها عوضا عن حرف النداء، وهذا التعويض من خصائص الاسم الجليل، كما اختص بجواز الجمع فيه بين " يا " و " أل " وبقطع همزته، ودخول تاء القسم عليه. والمعنى. قل أيها المخاطب على سبيل التعظيم لربك، والشكر له، والتوكل عليه والضراعة إليه، قل يا الله يا مالك الملك أنت وحدك صاحب السلطان المطلق فى هذا الوجود، بحيث تتصرف فيه كيف تشاء، إيجادا وإعداما، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، من غير أن ينازعك فى ذلك أى منازع. فكأن فى هذه الجملة الكريمة { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } دعاءين خاشعين أما الدعاء الأول فهو بلفظ الجلالة المعبر عنه بقوله { ٱللَّهُمَّ } أى يا الله، وفى هذا النداء كل معانى العبودية والتنزيه والتقديس والخضوع. وأما الدعاء الثانى فهو المعبر عنه بقوله { مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } أى يا مالك الملك، وفى هذا النداء كل معانى الإِحساس بالربوبية، والضعف أمام قدرة الله وسلطانه. فقوله { مَالِكَ } منصوب بحرف النداء المحذوف. كما فى قولهقُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أى يا فاطر السماوات والأرض. ثم فصل - سبحانه - بعض مظاهر خلقه التى تدل على أنه هو مالك الملك على الحقيقة فقال - تعالى - { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ }. أى أنت وحدك الذى تعطى الملك من تشاء إعطاءه من عبادك، وتنزعه ممن تشاء، نزعه منهم، فأنت المتصرف فى شئون خلقك لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك. وعبر بالإِيتاء الذى هو مجرد الإِعطاء دون التمليك المؤذن بثبوت المالكية، للتنبيه على أن المالكية على الحقيقة إنما هى مختصة بالله رب العالمين، أما ما يعطيه لغيره من ملك فهو عارية مستردة، وهو شىء زائل لا يدوم. والتعبير عن إزالة الملك بقوله { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } يشعر بأنه - سبحانه - فى قدرته أن يسلب هذا العطاء من أى مخلوق مهما بلغت سعة ملكه، ومهما اشتدت، قوته، وذلك لأن لفظ النزع يدل على أن المنزوع منه الشىء كان متمسكا به، فسلبه الله منه بمقتضى قدرته وحكمته.

السابقالتالي
2 3 4