الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

أورد بعض المفسرين روايات فى سبب نزول هذه الآيات منها، ما رواه البخارى عن عبد الله بن عمر أن اليهود جاءوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا. فقال لهم " كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ قالوا نحممهما - أى نجعل على وجوههما الفحم تنكيلا بهما، ونضربهما. فقال ألا تجدون فى التوراة الرجم؟ فقالوا لا نجد فيها شيئاً. فقال لهم عبد الله بن سلام كذبتم. فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فوضع مدراسها - الذى يدرسها منهم - كفه على آية الرجم فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها، ولا يقرأ آية الرجم فنزع يده عن الرجم. فقال ما هذه؟ - أى أن عبد الله بن سلام رفع يد القارىء عن آية الرجم وقال له ما هذه - فلما رأى اليهود ذلك قالوا هى آية الرجم، فأمر بهما فرجما قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد ". وقال ابن عباس " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس على جماعة من يهود - أى دخل عليهم فى المكان الذى يتدارسون فيه علومهم - فدعاهم إلى الله. فقال له بعضهم على أى دين أنت يا محمد؟ فقال إنى على ملة إبراهيم ودينه. فقالوا فإن إبراهيم كان يهوديا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم فهلموا إلى التوراة هى بيننا وبينكم فأبوا عليه فأنزل الله هذه الآيات ". وذكر النقاش أنها نزلت لأن جماعة من اليهود أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقال لهم " هلموا إلى التوراة ففيها صفتى " فأبوا ". قال ابن جرير ما ملخصه وأولى الأقوال فى تأويل ذلك عندى بالصواب أن يقال إن الله - تعالى - قد أخبر عن طائفة من اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم أنهم دعوا إلى التوراة للتحاكم إليها فى بعض ما تنازعوا فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا. ويجوز أن يكون هذا التنازع فى أمر نبوته، أو فى أمر إبراهيم ودينه، أو فى حد من الحدود فإن كل ذلك مما نازعوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكأن ابن جرير - رحمه الله - يريد أن يقول إن الآيات الكريمة تتسع لكل ما تنازعوا فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دعاهم إلى أن يحكم التوراة بينه وبينهم فى شأن هذا التنازع أبوا وأعرضوا وهو رأى حسن. والاستفهام فى قوله { أَلَمْ تَرَ } للتعجيب من شأنهم ومن سوء صنيعهم حيث دعوا إلى كتابهم ليحكم بينهم فامتنعوا عن ذلك لأنهم كانوا - كما يقول الآلوسى - " إذا عضتهم الحجة فروا إلى الضجة وأعرضوا عن المحجة " ثم قال و " من " إما للتبعيض وإما للبيان، ومعنى " نصيب " هو الكتاب أو نصيبا منه، لأن الوصول إلى كنه كلامه - سبحانه - متعذر " فإن جعل بيانا كان المراد إنزال الكتاب عليهم.

السابقالتالي
2 3 4