الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هؤلاء المارقين بصفات ينفر منها كل عاقل وصفهم أولا بأنهم { يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أى لا يكتفون بالكفر بالله - تعالى -، بل يكفرون بالآيات المثبتة لوحدانيته، وبالرسل الذين جاءوهم بالهدى والحق. ووصفهم ثانيا بأنهم { يَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } وقتل النبيين بغير حق فعل معروف عن اليهود، فهم الذين قتلوا زكريا - عليه السلام - لأنه حاول أن يخلص ابنه يحيى -عليه السلام - من القتل وقتلوا يحيى لأنه لم يوافقهم فى أهوائهم وحاولوا قتل عيسى - عليه السلام - ولكن الله تعالى نجاه من مكرهم، وقتلوا غيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فإن قيل إن اليهود ما قتلوا كل الأنبياء فلم أخبر القرآن عنهم أنهم يقتلون النبيين ولم يقل يقتلون بعض النبيين؟ فالجواب أنهم بقتلهم لبعض النبيين فقد استهانوا بمقام النبوة، ومن استهان بمقام النبوة بقتله لبعض الأنبياء فكأنه قد قتل الأنبياء جميعا، ونظير هذا قوله - تعالى -مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } وقيد القتل بأنه { بِغَيْرِ حَقٍّ } مع أن قتل الأنبياء لا يكون بحق أبداً، للتصريح بموضع الاستنكار، لأن موضع الاستنكار هو اعتداؤهم على الحق بقتلهم الأنبياء، وللإِشارة إلى أنهم لتوغلهم فى الظلم والعدوان قد صاروا أعداء للحق لا يألفونه ولا تميل إليه نفوسهم، وللتسجيل عليهم أن هذا القتل للأنبياء كان مخالفاً لما فى شريعتهم فإنها قد نهتهم عن قتلهم، بل عن مخالفتهم. فهذا القيد من باب الاحتجاج عليهم بما نهت عنه شريعتهم لتخليد مذمتهم فى كل زمان ومكان. وقال - سبحانه - { بِغَيْرِ حَقٍّ } بصيغة التنكير، لعموم النفى، بحيث يتناول الحق الثابت، والحق المزعوم، أى أنهم لم يكونوا معذروين بأى لون من ألوان العذر فى هذا الاعتداء فقد أقدموا على ما أقدموا عليه وهم يعلمون أنهم على الباطل، فكان فعلهم هذا إجراماً فى بواعثه وفى حقيقته، وأفظع أنواع الإِجرام فى موضوعه. وقوله { بِغَيْرِ حَقٍّ } فى موضع الحال المؤكدة لمضمون جملة { يَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ } إذ لا يكون قتل النبيين إلا كذلك. ووصفهم ثالثا بأنهم { وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ }. والقسط العدل. يقال قسَط يقسِط ويقسُط قِسطا، وأقسط إقساطا إذا عدل. أى لا يكتفون بقتل النبيين الذين جاءوا لهدايتهم وسعادتهم، وإنما يقتلون مع ذلك الذين يأمرونهم بالعدل من مرشديهم ونصحائهم. وفى قوله { مِنَ ٱلنَّاسِ } إشارة إلى أنهم ليسوا بأنبياء، بل من الناس غير المبعوثين. وفى قرنهم بالأنبياء، وإثبات أن الاعتداء عليهم قرين الاعتداء على الأنبياء، إشارة إلى بيان علو منزلتهم، وأنهم ورثتهم الذين يدعون بدعوتهم.

السابقالتالي
2 3