الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } * { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

قوله تعالى { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا } الخ مستأنف مسوق لإِبطال بعض ما نشأ من الظنون الفاسدة، إثر إبطال بعض آخر تقدم الحديث عنه من فوائد غزوة أحد أنها كشفت عن قوة الإِيمان من ضعيفه، ميزت الخبيث من الطيب. وإذا كان انتصار المسلمين فى بدر جعل كثيراً من المنافقين يدخلون فى الإِسلام طمعا فى الغنائم.. فإن عدم انتصارهم فى أحد قد أظهر المنافقين على حقيقتهم، ويسر للمؤمنين معرفتهم والحذر منهم. والهمزة فى قوله { أَوَ لَمَّا } للاستفهام الإِنكارى التعجيبى. و " الواو " للعطف على محذوف و " لما " ظرف بمعنى حين مضافة إلى ما بعدها مستعملة فى الشرط. والمصيبة أصلها فى اللغة الرمية التى تصيب الهدف ولا تخطئه، ثم أطلقت على ما يصيب الإِنسان فى نفسه أو أهله أو ماله أو غير ذلك من مضار. وقوله { مِّثْلَيْهَا } أى ضعفها، فإن مثل الشىء ما يساويه. ومثليه ضعفه. والمعنى أفعلتم ما فعلتم من أخطاء، وحين أصابكم من المشركين يوم أحد نصف ما أصابهم منكم قبل ذلك فى بدر تعجبتم وقلتم { أَنَّىٰ هَـٰذَا } أى من أين لنا هذا القتل والخذلان ونحن مسلمون نقاتل فى سبيل الله، وفينا رسوله صلى الله عليه وسلم وأعداؤنا الذين قَتلوا منا من قَتلوا مشركون يقاتلون فى سبيل الطاغوت. فالجملة الكريمة توبيخ لهم على ما قالوه لأنه ما كان ينبغى أن يصدر عنهم. إذ هم قد قتلوا من المشركين فى بدر سبعين من صناديدهم وأسروا منهم قريبا من هذا العدد وفى أحد كذلك كان لهم النصر فى أول المعركة على المشركين، وقتلوا منهم قريبا من عشرين إلا أنهم حين خالفوا وصية رسولهم صلى الله عليه وسلم وتطلعوا إلى الغنائم منع الله عنهم نصره، فقتل المشركون منهم قريبا من سبعين. وقوله { قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا } فى محل رفع صفة " لمصيبة ". وفائدة هذا القول التنبيه على أن أمور الدنيا لا تبقى على حال واحدة، وإن من شأن الحرب أن تكون سجالا، إلا أن العاقبة جعلها الله للمتقين. وقوله { قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا } هو موضع التوبيخ والتعجيب من شأنهم، لأن قولهم هذا يدل على أنهم لم يحسنوا وضع الأمور فى نصابها حيث ظنوا أن النصر لا بد أن يكون حليفهم حتى ولو خالفوا أمر قائدهم ورسولهم - صلى الله عليه وسلم - ولذا فقد رد الله - تعالى - عليهم بما من شأنه أن يعيد إليهم صوابهم وبما يعرفهم السبب الحقيقى فى هزيمتهم فقال { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ }. أى قل يا محمد لهؤلاء الذين قالوا ما قالوا إن ما أصابكم فى أحد سببه أنتم لا غيركم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6