الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } * { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

فأنت ترى فى هذه الآيات الكريمة بيانا حكيما من الله - تعالى - لأهم متع الحياة الدنيا وشهواتها، ولما هو خير من هذه المتع والشهوات، مما أعده الله لعباده المتقين من جنات وخيرات. وقوله { زُيِّنَ } من التزيين وهو تصيير الشىء زينا أى حسنا. والزينة هى ما فى الشىء من المحاسن التى ترغب الناظرين فى اقتنائه. قال الراغب " والزينة بالقول المجمل ثلاث زينة نفسية كالعلم والاعتقادات الحسنة، وزينة بدنية كالقوة وطول القامة، وزينة خارجية كالمال والجاه.. وقد نسب الله التزيين فى مواضع إلى نفسه كما فى قوله - تعالى -وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } ونسبه فى مواضع إلى الشيطان كما فى قولهوَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } وذكره فى مواضع غير مسمى فاعله كما فى قوله - تعالى - { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ }. والشهوات جمع شهوة، وهى ثوران النفس وميلها نحو الشئ المشتهى. والمراد بها هنا الأشياء المشتهاة من النساء والبنين... إلخ. وعبر عنها بالشهوات للإِشارة - كما يقول الآلوسي - إلى ما ركز فى الطباع من محبتها والحرص عليها حتى لكأنهم يشتهون اشتهاءها كما قيل لمريض ما تشتهى؟ فقال أشتهى أن أشتهى. أو تنبيها على خستها لأن الشهوات خسيسة عند الحكماء والعقلاء ففى ذلك تنفير عنها وترغيب فيما عند الله، ثم قال والتزيين للشهوات يطلق ويراد به خلق حبها فى القلوب، وهو بهذا المعنى مضاف إليه - تعالى - حقيقة لأنه لا خالق إلا هو. ويطلق ويراد به الحض على تعاطى الشهوات المحظورة فتزيينها بالمعنى الثانى مضاف إلى الشيطان تنزيلا لوسوسته وتحسينه منزلة الأمر بها والحض على تعاطيها ". ثم بين - سبحانه - أهم المشتهيات التى يحبها الناس، وتهفو إليها قلوبهم، وترغب فيها نفوسهم، فأجملها فى أمور ستة. أما أولها فقد عبر عنه القرآن بقوله " من النساء ولا شك أن المحبة بين الرجال والنساء شىء فطرى فى الطبيعة الإنسانية، ويكفى أن الله - تعالى - قد قال فى العلاقة بين الرجل والمرأةهُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } وقال تعالى - فى آية ثانيةوَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } وإن بعض الرجال قد يستهين بكل شىء فى سبيل الوصول إلى المرأة التى يهواها ويشتهيها والأمثال على ذلك كثيرة ولا مجال لذكرها هنا وصدق رسول الله حيث يقول " ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء " ، ولذا قدم القرآن اشتهاءهن على كل شهوة. و { مِنَ } فى قوله { مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ } بيانية، وهى مع مجرورها فى محل نصب على الحال من الشهوات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7