الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ }

فقوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ } الخ كلام مستأنف قصد به تحذير المؤمنين من التشبه بالكافرين ومن الاستماع إلى أقوالهم الذميمة. والمراد بالذين كفروا المنافقون كعبد الله بن أبى بن سلول وأشباهه من المنافقين الذين سبق للقرآن أن حكى عنهم أنهم قالوالَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا } وإنما ذكرهم بصفة الكفر للتصريح بمباينة حالهم لحال المؤمنين وللتنفير عن مماثلتهم ومسايرتهم. وقيل المراد بهم جميع الكفار. والمراد بإخوانهم إخوانهم فى الكفر والنفاق والمذهب أو فى النسب وقوله { إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أى سافروا فيها للتجارة أو غيرها فماتوا. وأصل الضرب إيقاع شىء على شىء ثم استعمل فى السير، لما فيه من ضرب الأرض بالأرجل، ثم صار حقيقة فيه. وقوله { غُزًّى } جمع غاز كراكع وركع، وصائم وصوم، ونائم ونوم. والمعنى يا من آمنتم بالله واليوم الآخر لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا بفزع وجزع من أجل إخوانهم الذين فقدوهم بسبب سفرهم للتجارة أو بسبب غزوهم فى سبيل الله. قالوا على سبيل التفجع لو كان هؤلاء الذين ماتوا فى السفر أو الغزو مقيمين معنا، أو ملازمين بيوتهم، ولم يضربوا فى الأرض ولم يغزوا فيها لبقوا أحياء ولما ماتوا أو قتلوا. وقولهم هذا يدل على جبنهم وعجزهم، كما يدل على ضعف عقولهم وعدم إيمانهم بقضاء الله وقدره، إذ لو كانوا مؤمنين بقضاء الله وقدره لعلموا أن كل شىء عنده بمقدار، وأن العاقل هو الذى يعمل ما يجب عليه بجد وإخلاص ثم يترك بعد ذلك النتائج لله يسيرها كيف يشاء. وقولهم هذا بجانب ذلك يدل على سوء نيتهم، وخبث طويتهم، لأنهم قصدوا به تثبيط عزائم المجاهدين عن الجهاد، وعن السعى فى الأرض من أجل طلب الرزق الذى أحله الله. والنهى فى قوله - تعالى { لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يشعر بالتفاوت الشديد بين المقامين مقام الإِيمان ومقام الكفران، وأنه لا يليق بالمؤمن أن ينحدر إلى المنحدر الدون وهو التشبه بالكافرين، بعد أن رفعه الله بالإِيمان إلى أعلى عليين، وفى هذا تقبيح للمنهى عنه بأبلغ وجه وبأدق تصوير. واللام فى قوله { لإِخْوَانِهِمْ } يرى صاحب الكشاف أنها للتعليل فقد قال قوله { وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ } أى لأجل إخوانهم، كقوله - تعالى -وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } ويجوز أن تكون اللام للدلالة على موضع الخطاب، ويكون المعنى لا تكونوا أيها المؤمنون كهؤلاء الذين كفروا وقالوا لإِخوانهم الأحياء لو كان أولئك الذين فقدناهم ملازمين لبيوتهم ولم يضربوا فى الأرض ولم يغزوا لما أصابهم ما أصابهم من الموت أو القتل. قال الفخر الرازى ما ملخصه فإن قيل إن قوله { قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ } يدل على الماضى، وقوله { إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يدل على المستقبل فكيف الجمع بينهما؟ فالجواب من وجوه أولها أن قوله { قَالُواْ } تقديره يقولون، فكأنه قيل لا تكونوا كالذين كفروا ويقولون لإِخوانهم كذا وكذا.

السابقالتالي
2 3 4