الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قال ابن كثير لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان ألا إن محمداً قد قتل، ورجع ابن قميئة إلى المشركين فقال لهم قتلت محمداً. وإنما قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشجه فى رأسه. فوقع ذلك فى قلوب كثير من الناس، واعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فحصل ضعف ووهن وتأخر - بين المسلمين - عن القتال. ففى ذلك أنزل الله تعالى - { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } الآية. وقوله - تعالى - { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } تقرير لحقيقة ثابتة، ولأمر مؤكد، وهو أن محمداً صلى الله عليه وسلم واحد من البشر، وأنه سيموت كما يموت جميع البشر، وأنه ليس له صفة تميزه عن سائر البشر سوى الرسالة التى وهبها الله - تعالى - له، ومنحه إياها، وأن هذه الرسالة لا تقتضى بقاءه أو خلوده، إذ الرسل الذين سبقوه قد أدوا رسالتهم فى الحياة كما أمرهم خالقهم ثم ماتوا أو قتلوا. وما دام الأمر كذلك فمحمد صلى الله عليه وسلم سيموت وينتقل إلى الرفيق الأعلى كما مات الذين سبقوه من الأنبياء، وكما سيموت جميع البشر. والقصر فى قوله - تعالى - { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ } من باب قصر الموصوف على الصفة، أى قصر محمد صلى الله عليه وسلم على وصف الرسالة قصراً إضافياً. وفى هذا القصر رد على ما صدر من بعض المسلمين من اضطراب وضعف حين أرجف المنافقون فى غزوة أحد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل. فكأنه - تعالى - يقول لهم إن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول من الرسل الذين أرسلهم الله لإِخراج الناس من الظلمات إلى النور، وسيكون مصيره إلى الموت إن عاجلا أو آجلا كما هو شأن سائر البشر الذين اصطفى الله - تعالى - منهم رسله، إلا أن رسالته التى جاء بها من عند الله لن تموت من بعده، بل ستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يصح أن يضعف أتباعه فى عقيدتهم أو فى تبليغ رسالته من بعده، بل عليهم أن يستمسكوا بما جاءهم به، وأن يدافعوا عنه بأنفسهم وأموالهم. ولذا فقد وبخ الله - تعالى - بعض المسلمين الذين صدر منهم اضطراب أو ضعف عندما أشاع ضعاف النفوس بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل فى غزوة أحد فقال - تعالى - { أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ }؟ أى إذا مات محمد صلى الله عليه وسلم - أيها المؤمنون - وقد علمتم أن موته حق لا ريب فيه، أو قتل وهو يدافع عن دينه وعقيدته، { ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } أى رجعتم إلى ما كنتم عليه من الكفر والضلال.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7