الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

قال الفخر الرازى ما ملخصه اعلم أن الله - تعالى - لما وعد على الطاعة والتوبة من المعصية، الغفران والجنات، أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل الطاعة وعلى التوبة من المعصية. وهو تأمل أحوال القرون الخالية من المطيعين والعاصين فقال { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ }. وأصل الخلو فى اللغة الانفراد. والمكان الخالى هو المنفرد عمن يسكن فيه. ويستعمل أيضا فى الزمان بمعنى المضى لأن ما مضى انفرد عن الوجود وخلا عنه، وكذا الأمم الخالية. والسنن جمع سنة وهى الطريقة المستقيمة والمثال المتبع. وفى اشتقاق هذه اللفظة وجوه منها أنها فعلة من سن الماء يسنه إذا والى صبه. والسن الصب للماء. والعرب شبهت الطريقة المستقيمة بالماء المصبوب، فإنه لتوالى أجزاء الماء فيه على نهج واحد يكون كالشىء الواحد ". والمراد بالسنن هنا وقائع فى الأمم المكذبة، أجراها الله - تعالى - على حسب عادته، وهى الإِهلاك والدمار بسبب كفرهم وظلمهم وفسوقهم عن أمره. والمعنى إنه قد مضت وتقررت من قبلكم - أيها المؤمنون - سنن ثابتة، ونظم محكمة فيما قدره - سبحانه - من نصر وهزيمة، وعزة وذلة، وعقاب فى الدنيا وثواب فيها، فالحق يصارع الباطل، وينتصر أحدهما على الآخر بما سنه - سبحانه - من سنة فى النصر والهزيمة. وقد جرت سننه - سبحانه - فى خلقه أن يجعل العاقبة للمؤمنين الصادقين، وأن يملى للكافرين ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. فإن كنتم فى شك من ذلك - أيها المؤمنون - { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }. أى فسيروا فى الأرض متأملين متبصرين، فسترون الحال السيئة التى انتهى إليها المكذبون من تخريب ديارهم، وبقايا آثارهم. قالوا وليس المراد بقوله { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ } الأمر بذلك لا محالة، بل المقصود تعرف أحوالهم، فإن حصلت هذه المعرفة بغير المسير فى الأرض كان المقصود حاصلا، ولا يمتنع أن يقال أيضا إن لمشاهدة آثار المتقدمين أثراً أقوى من أثر السماع كما قال الشاعر
تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار   
والتعبير بلفظ كيف الدال على الاستفهام، المقصود به تصوير حالة هؤلاء المكذبين التى تدعو إلى العجب، وتثير الاستغراب، وتغرس الاعتبار والاتعاظ فى قلوب المؤمنين لأن هؤلاء المكذبين. مكن الله لهم فى الأرض، ومنحهم الكثير من نعمه. ولكنهم لم يشكروه عليها، فأهلكهم بسبب طغيانهم. فهذه الآية وأشباهها من الآيات، تدعو الناس إلى الاعتبار بأحوال من سبقوهم. وإلى الاتعاظ بأيام الله، وبالتاريخ وما فيه من أحداث، وبالآثار التى تركها السابقون، فإنها أصدق من رواية الرواة ومن أخبار المخبرين. ثم قال - تعالى - { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10