الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }

قال الإِمام الرازى ما ملخصه اعلم أن من الناس من قال إن الله - تعالى - لما شرح عظيم نعمه على المؤمنين فيما يتعلق بإرشادهم إلى الأصلح لهم فى أمر الدين وفى أمر الجهاد، أتبع ذلك بما يدخل فى الأمر والنهى والترغيب والترهيب فقال { يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً }. وقال القفال يحتمل أن تكون هذه الآية متصلة بما قبلها من جهة أن المشركين فى غزوة أحد أنفقوا على عساكرهم أموالا كثيرة جمعوها من الربا، ولعل ذلك يصير داعياً للمسلمين إلى الإِقدام على الربا حتى يجمعوا المال وينفقوه على العسكر، ويتمكنوا من الانتقام منهم، فلا جرم نهاهم الله عن ذلك. وكان الرجل فى الجاهلية إذا كان له على إنسان مائة درهم - مثلا - إلى أجل، فإذا حل الأجل ولم يكن المدين واجدا لذلك المال قال زدنى فى المال حتى أزيد فى الأجل، فربما جعله مائتين، ثم إذا حل الأجل الثانى فعل مثل ذلك ثم إلى آجال كثيرة، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها فهذا هو المراد من قوله { أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً }. وقد ابتدأ - سبحانه - الآية بالنداء بقوله { يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } لبيان أن أكل الربا ليس من شأن المؤمنين، وإنما هو من سمات الكافرين والفاسقين. وإذا كان الكافرون يستكثرون من تعاطى الربا فعلى المؤمنين أن يجتنبوا هذا الفعل القبيح، وأن يتحروا الحلال فى كل أمورهم. وخصه بالنهى لأنه كان شائعاً فى ذلك الوقت، ولأنه - كما يقول القرطبى - هو الذى أذن فيه بالحرب فى قوله - تعالى -فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } والحرب يؤذن بالقتل، فكأنه يقول لهم إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم. والمراد من الأكل الأخذ، وعبر عنه بالأكل لما أنه معظم ما يقصد به، ولشيوعه فى المأكولات مع ما فيه من زيادة التشنيع. والربا معناه الزيادة، والمراد بها هنا تلك الزيادة التى كانت تضاف على الدين. قال الإِمام ابن جرير عن عطاء قال كانت ثقيف تداين بنى المغيرة فى الجاهلية، فإذا حل الأجل قالوا نزيدكم وتؤخرون. وقال ابن زيد كان أبى - زيد بن ثابت - يقول إنما كان ربا الجاهلية فى التضعيف. يكون للرجل على الرجل دين فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له " تقضينى أو تزيدنى ". وقوله { أَضْعَافاً } حال من الربا، وقوله { مُّضَاعَفَةً } صفة له. والأضعاف جمع ضعف. وضعف الشىء مثله، وضعفاه مثلاه، وأضعافه أمثاله. وهذا القيد وهو قوله " أضعافا مضاعفة " ليس لتقييد النهى به، أى ليس النهى عن أكل الربا فى هذه الحالة وإباحته فى غيرها، بل هذا القيد لمراعاة الواقع، ولبيان ما كانوا عليه فى الجاهلية من التعامل الفاسد المؤدى إلى استئصال المال، ولتوبيخ من كان يتعاطى الربا بتلك الصورة البشعة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9