الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

الوقود - بفتح الواو - هو ما توقد به النار كالحطب وغيره. وأصله من وقدت النار تقد إذا اشتعلت. والوقود - بضم الواو - المصدر عند أكثر اللغويين. والمعنى إن الذين كفروا بالحق لما جاءهم، وعموا وصموا عن الاستجابة له، لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم يوم القيامة، ولن تدفع عنهم شيئاً من عذاب الله الذى استحقوه بسبب كفرهم، واغترارهم بكثرة المال، وعزة النفر، وقوة العصبية وقد أكد - سبحانه - هذا الحكم ردا على مزاعمهم الباطلة من أن ذلك سينفعهم فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوانَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } فبين - سبحانه - أنه بسبب كفرهم الذى أصروا عليه، لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم أى نفع من وقوع عذاب الله عليهم. ومن فى قوله { مِّنَ ٱللَّهِ } لابتداء الغاية و { شَيْئاً } منصوب على المصدرية. أى شيئا من الاغناء. أو النفع، لأن الذى ينفع الناس يوم القيامة إنما هو إيمانهم وعملهم الصالح. والإِشارة فى قوله { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } لأولئك الكافرين الذين غرهم بالله الغرور. أى وأولئك الكافرون الذين اغتروا بأموالهم وأولادهم ولم يعيروا أسماعهم أى التفات إلى الحق هم وقود النار أى حطبها. أى أن النار يشتد اشتعالها فيهم حتى لكأنهم هم مادتها التى بها تتقد وتشتعل. وجىء بالإِشارة فى قوله { وَأُولَـٰئِكَ } لاستحضارهم فى الأذهان حتى لكأنهم بحيث يشار إليهم، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما سيأتى من الخبر وهو قوله { هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ }. وكانت الاشارة للبعيد، للإِشعار بغلوهم فى الكفر، وانغماسهم فيه إلى منتهاه، ولذلك كانت العقوبة شديدة. وقوله { وَأُولَـٰئِكَ } مبتدأ، وهم ضمير فصل والخبر قوله { وَقُودُ ٱلنَّارِ } والجملة مستأنفة مقررة لعدم الإِغناء. وفى هذا التذييل تهديد شديد للكفار الذين اغتروا بأموالهم وأولادهم ببيان أن ما اغتروا به لن يحول بينهم وبين الخلود فى النار. قال الفخر الرازى ما ملخصه اعلم أن كمال العذاب هو أن يزول عن الإِنسان كل ما كان منتفعا به. ثم يجتمع عليه جميع الأسباب المؤلمة. أما الأول فهو المراد بقوله { لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } وذلك لأن المرء عند الخطوب والنوائب فى الدنيا يفزع إلى المال والولد. فبين الله - تعالى - أن صفة ذلك اليوم مخالفة لصفة الدنيا. ونظير هذه الآية قوله - تعالى -يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وأما القسم الثانى من أسباب العذاب فهو أن يجتمع عليه الأسباب المؤلمة، وإليه الإِشارة بقوله { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } وهذا هو النهاية فى العذاب، فإنه لا عذاب أزيد من أن تشتعل النار فيهم كاشتعالها فى الحطب اليابس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7