الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } * { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ففى هذه الآيات الكريمة التى بدأت السورة بها حديثها عن غزوة أحد، تذكير للمؤمنين بما وقع فيها حتى يعتبروا ويعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا. وقوله - تعالى - { غَدَوْتَ } من الغدو وهو الخروج فى أول النهار، يقال غدا يغدو من باب سما يسمو. و { مِنْ } فى قوله { مِنْ أَهْلِكَ } للابتداء. والمراد بأهله، زوجه عائشة - رضى الله عنها - فقد كان خروجه لغزوة أحد من بيتها. والكلام على حذف مضاف يدل عليه فعل { غَدَوْتَ } والتقدير من بيت أهلك. وقوله { تُبَوِّىءُ } أصله من التبوء وهو اتخاذ المنزل. يقال بوأته، وبوأت له منزلا، أى أنزلته فيه. والمراد به هنا تنظيم المؤمنين وتسويتهم وتهيئتهم للقتال، حتى يكونوا صفا واحداً كأنهم بنيان مرصوص. والعامل فى { وَإِذْ } فعل مضمر تقديره، واذكر. والمعنى واذكر لهم يا محمد ليعتبروا ويتعظوا وقت خروجك مبكراً من حجرة زوجتك عائشة إلى غزوة أحد. وقوله { تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } أى تنزلهم وتسوى لهم بالتنظيم والترتيب مواطن وأماكن للقتال، بحيث يكونون فى أحسن حال، وأكمل استعداد لملاقاة أعدائهم. قال الجمل " ويستعمل الفعل { غَدَوْتَ } بمعنى صار عند بعضهم، فيكون ناقصاً يرفع الاسم وينصب الخبر... وهذا المعنى ممكن هنا، فالمعنى عليه، وإذ غدوت أى صرت تبوىء المؤمنين أى تنزلهم فى منازل للقتال، وهذا أظهر من الآخر، لأن المذكور فى القصة أنه سار من عند أهله بعد صلاة الجمعة وبات فى شعب أحد، وأصبح ينزل أصحابه فى منازل القتال ويدبر لهم أمر الحرب ". فالجملة الكريمة تشير إلى ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم مع أصحابه قبل أن تبدأ المعركة، فقد اهتم بتنظيم صفوفهم، وبرسم الخطة الحكيمة التى تكفل لهم النصر، وأمر الجيش كله ألا يتحرك للقتال إلا عندما يأذن له بذلك، ولقد حدث أن بعض المسلمين من الأنصار استشرف للقتال وتمناه عندما رأى قريشا قد سرحت خيولها وإبلها فى زروع المسلمين، وقال للنبى صلى الله عليه وسلم " أترعى زروع بنى قيلة - يعنى الأنصار - ولما تضارب "؟؟ إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم نهاهم عن القتال إلا بعد إذنه. وجملة { تُبَوِّىءُ } حال من فاعل " غدوت ". والفعل { تُبَوِّىءُ } يحتاج لمفعولين أولهما قوله { ٱلْمُؤْمِنِينَ }. وثانيهما قوله { مَقَاعِدَ } وقوله { لِلْقِتَالِ } متعلق بقوله { تُبَوِّىءُ }. والمراد بقوله { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } أى مراكز وأماكن ومواقف للقتال بحيث يعرف كل مؤمن مكانه وموقفه فينقض منه على خصمة إلا أن القرآن الكريم عبر عن هذه الأماكن والمراكز والمواقف بالمقاعد. للإِشارة إلى وجوب الثبات فيها كما يثبت القاعد فى مكانه، وأن عليهم ألا يبرحوا أماكنهم إلا بإذن قائدهم صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد