الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } * { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

قال الفخر الرازى ما ملخصه اختلفوا فى الذين نهى الله المؤمنين عن مخالطتهم من هم؟ فقيل هم اليهود، لأن بعض المسلمين كانوا يشاورونهم فى أمورهم ويؤانسونهم لما كان فيهم من الرضاع والحلف. وقيل هم المنافقون، وذلك لأن بعض المؤمنين كانوا يغترون يظاهر أقوالهم فيفشون إليهم الأسرار والصحيح أن المراد بهم جميع أصناف الكفار، والدليل عليه قوله تعالى { بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } فمنع المؤمنين أن يتخذوا بطانة من غير المؤمنين، فيكون ذلك نهيا عن جميع الكفار ". والبطانة فى الأصل داخل الثوب، وجمعها بطائن. قال - تعالى - { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ }. وظاهر الثوب يسمى الظهارة، والبطانة - أيضاً - الثوب الذى يجعل تحت ثوب آخر ويسمى الشعار، وما فوقه الدثار وفى الحديث " الأنصار شعار والناس دثار ". ثم أطلقت البطانة على صديق الرجل وصفيه الذى يطلع على شئونه الخفية تشبيها ببطانة الثياب فى شدة القرب من صاحبها. قال الشاعر
أولئك خلصائى نعم وبطانتى وهم عيبتى من دون كل قريب   
وقوله { مِّن دُونِكُمْ } أى من غير أهل ملتكم. والمعنى لا يجوز لكم - أيها المؤمنون - أن تتخذوا من غير أهل ملتكم أصفياء وأولياء تلقون إليهم بأسراركم التى لا يصح لكم أن تطلعوهم عليها، لأنكم لو فعلتم ذلك لأصابكم الضرر فى دينكم ودنياكم. قال القرطبى " نهى الله المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم فى الآراء ويسندون إليهم أمورهم. وفى سنن أبى داود عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " وقيل لعمر بن الخطاب - رضى الله عنه - إن ها هنا رجلا من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه ولا أخط بقلم، أفلا يكتب عنك؟ فقال لا آخذ بطانة من دون المؤمنين ". ثم قال القرطبى - رحمه الله - قلت وقد انقلبت الأحوال فى هذه الأزمان باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء، وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء. روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما بعث الله من نبى ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه. وبطانة تأمره بالشر وتحثه عليه، والمعصوم من عصمه الله ". وصدر - سبحانه - النداء بوصف الإِيمان، للإِشعار بأن مقتضى الإِيمان يوجب عليهم ألا يأمنوا من يخالفهم فى عقيدتهم على أسرارهم، وألا يتخذوا أعداء الله وأعداءهم أولياء يلقون إليهم بالمودة، وألا يطلعوهم على ما يجب إخفاؤه من شئون وأمور خاصة بالمؤمنين وقوله { مِّن دُونِكُمْ } يجوز أن يكون صفة لبطانة فيكون متعلقاً بمحذوف، أى لا تتخذوا بطانة كائنة من غيركم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9