الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

والمراد بالذين كفروا فى قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } جميع الكفار، لأن اللفظ عام، ولا دليل يقتضى تخصيصه بفريق من الكافرين دون فريق. والمراد من الإِغناء فى قوله { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } الدفع وسد الحاجة يقال أغنى فلان فلانا عن هذا الأمر، إذا كفاه مؤنته، ورفع عنه ما أثقله منه. أى إن الذين كفروا بما يجب الإِيمان به، واغتروا بأموالهم وأولادهم فى الدنيا، لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئاً - ولو يسيرا - من عذاب الله الذى سيحيق بهم يوم القيامة بسبب كفرهم وجحودهم. وقد أكد - سبحانه - عدم إغناء أموالهم ولا أولادهم عنهم شيئاً - فى وقت هم فى أشد الحاجة إلى من يعينهم ويدفع عنهم - بحرف " لن " المفيد لتأكيد النفى وخص الأموال والأولاد بالذكر، لأن الكفار كانوا أكثر ما يكونون اغتراراً بالأموال والأولاد، وقد حكى القرآن غرورهم هذا بأموالهم وأولادهم فى كثير من الآيات، ومن ذلك قوله - تعالى -وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } ولأن من المتعارف عليه بين الناس أن الإِنسان يلجأ إلى ماله وولده عند الشدائد، إذ المال يدفع به الإِنسان عن نفسه فى الفداء وما يشبهه من المغارم، والأولاد يدافعون عن أبيهم لنصرته ممن يعتدى عليه. وكرر حرف النفى مع المعطوف فى قوله { وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ } ، لتأكيد عدم غناء أولادهم عنهم، ولدفع توهم ما هو متعارف من أن الأولاد لا يقعدون عن الذب عن آبائهم. فالمقصود من الجملة الكريمة نفى الانتفاع بالأموال والأولاد فى حالة اجتماعهما، وفى حالة انفراد أحدهما عن الآخر، لأن المال قد يكون أكثر نفعا فى مواضع خاصة، والأولاد قد يكونون أكثر نفعا من المال فى مواطن أخرى، فبتكرار النفى تأكد عدم انتفاع الكفار بهذين النوعين فى أية حال من الأحوال. فإن قيل لقد نص القرآن على أن الكفار لا تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم يوم القيامة، مع أن المؤمنين كذلك لا تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم فلماذا خص الكافرين بالذكر؟. فالجواب أن الكافرين هم الذين اغتروا بأموالهم وأولادهم، وهم الذين اعتقدوا أنهم سينجون من العقاب بسبب ذلك، أما المؤمنون فإنهم لم يعتقدوا هذا الاعتقاد، ولم يغتروا بما منحهم الله من نعم، وإنما اعتقدوا أن الأموال والأولاد فتنة، ولم يعتمدوا فى نجاتهم من عقاب الله يوم القيامة إلى على فضله ورحمته، وعلى إيمانهم الصادق، وعملهم الصالح. و { مِّنَ } فى قوله { مِّنَ ٱللَّهِ } ابتدائية، والجار والمجرور متعلق بتغنى. وقوله { شَيْئاً } منصوب على أنه مفعول مطلق أى لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا من الاغناء والدفع.

السابقالتالي
2 3