الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قال الإِمام ابن كثير قوله - تعالى - { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ... } هذا أمر من الله - تعالى - لعباده المؤمنين، بالهجرة من البلد الذى لا يقدرون فيه على إقامة الدين، إلى أرض الله الواسعة، حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم... روى الإِمام أحمد عن أبى يحيى مولى الزبير بن العوام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيراًً فأقم ". ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة، ليأمنوا على دينهم هناك.. ثم بعد ذلك، هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة.... " وفى ندائهم بقوله { يٰعِبَادِيَ } وفى وصفهم بالإِيمان، تكريم وتشريف لهم، حيث أضافهم - سبحانه - إلى ذاته، ونعتهم بالنعت المحبب إلى قلوبهم. وقوله { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } تحريض لهم على الهجرة من الأرض التى لا يتمكنون فيها من إقامة شعائر دينهم، فكانه - سبحانه - يقول لهم ليس هناك ما يجبركم على الإِقامة فى تلك الأرض التى لا قدرة لكم فيها على إظهار دينكم، بل أخرجوا منها فإن أرضى واسعة، ومن خرج من أجل كلمة الله، رزقه الله - تعالى - من حيث لا يحتسب. ومن المفسرين الذين أجادوا فى شرح هذا المعنى، صاحب الكشاف - رحمه الله - فقد قال ومعنى الآية أن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة فى بلد هو فيه، ولم يتمش له أمر دينه كما يحب، فليهاجر عنه إلى بلد يقدر أنه فيه أسلم قلباً، وأصح دينا، وأكثر عبادة... ولعمرى إن البقاع تتفاوت فى ذلك التفاوت الكير، ولقد جربنا وجرب أولونا، فلم نجد فيما درنا وداروا أعون على قهر النفس، وعصيان الشهوة، وأجمع للقلب المتلفت، وأضم للهم المنتشر، وأحث على القناعة، وأطرد للشيطان، وأبعد عن الفتن... من سكنى حرم الله، وجوار بيت الله، فلله الحمد على سهل من ذلك وقرب.... " والفاء فى قوله - تعالى - { فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } بمعنى الشرط، وإياى منصوب بفعل مضمر، قد استغنى عنه بما يشبه. أى فاعبدو إياى فاعبدون. والمعنى إن ضاق بكم مكان، فإياى فاعبدوا، لأن أرضى واسعة، ولن تضيق بكم. ثم رغبهم بأسلوب آخر فى الهجرة من الأرض الظالم أهلها، بأن بين لهم بأن الموت سيدركهم فى كل مكان، فقال - تعالى - { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }. أى كل نفس سواء أكانت فى وطنها الذى عاشت فيه أم فى غيره، ذائقة لمرارة الموت، ومتجرعة لكأسه، ثم إلينا بعد ترجعون جميعاً لنحاسبكم على اعمالكم.

السابقالتالي
2