الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤـمۤ } * { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

سورة العنكبوت من السور التى افتتحت ببعض حروف التهجى { الۤـمۤ } ، ويبلغ عدد السور التى افتتحت بحروف التهجى، تسعاً وعشرين سورة. وقد سبق أن قلنا لعل أقرب الأقوال إلى الصواب، أن هذه الحروف المقطعة قد وردت فى افتتاح بعض السور، على سبيل الإِيقاظ والتنبيه، للذين تحداهم القرآن الكريم، فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك العارضين فى أن القرآن من عند الله هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم، فإن كنتم فى شك من كونه منزلا من عند الله، فهاتوا مثله، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك... والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } للإِنكار و { حسب } من الحسبان بمعنى الظن. وقوله { يُفْتَنُونَ } من الفتن، بمعنى الاختبار والامتحان. يقال فتنت الذهب بالنار، أى أدخلته فيها لتعلم الجيد منه من الخبيث. وجملة " أن يتركوا " سدت مسد مفعولى حسب، وجملة " أن يقولوا " فى موضع نصب، على معنى لأن يقولوا، وهى متعلقة بقوله { يُتْرَكُوۤاْ }. وجملة " وهم لا يفتنون " فى موضع الحال من ضمير " يتركوا ". والمعنى أظن الناس أن يتركوا بدون امتحان، واختبار، وابتلاء، وبدون نزول المصائب بهم، لأنهم نطقوا بكلمة الإِيمان؟ إن ظنهم هذا ظن باطل، ووهم فاسد، لأن الإِيمان ليس كلمة تقال باللسان فقط، بل هو عقيدة تكلف صاحبها الكثير من ألوان الابتلاء والاختبار، عن طريق التعرض لفقد الأموال والأنفس والثمرات، حتى يتميز قوى الإِيمان من ضعيفه. قال القرطبى والمراد بالناس قوم من المؤمنين كانوا بمكة، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإِسلام، كسلمة بن هشام، وعياش بن ربيعة، والوليد بن الوليد.. فكانت صدورهم تضيق بذلك، وربما استنكروا أن يمكن الله الكفار من المؤمنين. قال مجاهد وغيره فنزلت هذه الآية مسلية ومعلمة أن هذه هى سيرة الله فى عباده، اختبار للمؤمنين وفتنة. قال ابن عطية وهذه الآية وإن اكنت نزلت بهذا السبب أو ما فى معناه من الأقوال، فهى باقية فى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، موجود حكمها بقية الدهر... وقوله - سبحانه - { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } مؤكد لما قبله من أن ظن الناس أن يتركوا بدون ابتلاء، لقولهم آمنا، هذا الظن فى غير محله، لأن سنة الله قد اقتضت أن يدفع الناس بعضهم ببعض، وأن يجعل الكافرين يتصارعون مع المؤمنين، إلا أن العاقبة فى النهاية للمؤمنين.

السابقالتالي
2 3 4