الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ }

والمثَل والمِثْل النظير والشبيه، ثم أطلق المثل على القول السائر المعروف، لمماثلة مضربه - وهو الذى يضرب فيه - لمورده - وهو الذى ورد فيه أولا - ولا يكون إلا فيما فيه غرابة - ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة، إذا كان لها شأن عجيب، وفيها غرابة. وعلى هذا المعنى يحمل المثل هنا. وإنما تضرب الأمثال لإِيضاح المعنى الخفى، وتقريب الشئ المعقول من الشئ المحسوس، وعرض الغائب فى صورة الحاضر، فيكون المعنى الذى ضرب له المثل، أوقع فى القلوب، وأثبت فى النفوس. والعنكبوت حشرة معروفة، تنسج لنفسها فى الهواء بيتا رقيقا ضعيفا، لا يغنى عنا شيئا، وتطلق هذه الكلمة على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والغالب فى استعمالها التأنيث. والواو والتاء زائدتان، كما فى لفظ طاغوت. والمعنى حال هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله - تعالى - أصناماً يعبدونها، ويرجون نفعها وشفاعتها... كحال العنكبوت فى اتخاذها بيتاً ضعيفاً مهلهلاً، لا ينفعها لا فى الحر ولا فى القر، ولا يدفع عنها شيئاً من الأذى. فالمقصود من المثل تجهيل المشركين وتقريعهم، حيث عبدوا من دون الله - تعالى - آلهة، هى فى ضعفها ووهنها تشبه بيت العنكبوت، وأنهم لو كانوا من ذوى العلم لما عبدوا تلك الآلهة. قال صاحب الكشاف الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلاً ومتعمداً فى دينهم، وتولوه من دون الله، بما هو مثل عند الناس فى الوهن وضعف القوة. وهو نسج العنكبوت. ألا ترى إلى مقطع التشبيه، وهو قوله { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ }. فإن قلت ما معنى قوله { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } وكل أحد يعلم وهن بيت العنكبوت؟ قلت معناه، لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم، وأن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن... " وقال الآلوسى قوله { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أى لو كانوا يعلمون شيئاً من الأشياء، لعلموا أن هذا مثلهم، أو أن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن. و " لو " شرطية، وجوابها محذوف، وجوز بعضهم كونها للتمنى فى فلا جواب لها، وهو غير ظاهر ". ثم بين - سبحانه - أن علمه شامل لكل شئ، وأنه سيجازى هؤلاء المشركين بما يستحقونه من عقاب فقال { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }. و " ما " موصولة، وهى مفعول يعلم، والعائد محذوف، و " من شئ " بيان لما. أى إن الله - تعالى - يعلم علماً تاماً الذى يعبده هؤلاء المشركون من دونه، سواء أكان ما يعبدونه من الجن أم من الإِنس أم من الجمادات أم من غير ذلك، { وَهُوَ } - سبحانه - { ٱلْعَزِيزُ } أى الغالب على كل شئ { ٱلْحَكِيمُ } فى أقواله وأفعاله. { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ } التى سقناها فى كتابنا العزيز، والتى من بينها المثال السابق. { نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } على سبيل الإِرشاد والتنبيه والتوضيح. { وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } أى وما يعقل هذه الأمثال، ويفهم صحتها وحسنها، إلا الراسخون فى العلم، المتدبرون فى خلق الله - تعالى -، الفاقهون لما يتلى عليهم. ثم ذكر - سبحانه - ما يدل على عظيم قدرته، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإِكثار من تلاوة القرآن الكريم، ومن الصلاة، فقال - تعالى - { خَلَقَ ٱللَّهُ...يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }.