الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } * { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } * { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

وقوله - سبحانه - { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً.. } معطوف على مقدر محذوف، لدلالة ما قبله عليه. ومدين اسم للقبيلة التى تنسب إلى مدين بن إبراهيم - عليه السلام -. وكانوا يسكنون فى المنطقة التى تسمى معان بين حدود الحجاز والشام. وقد أرسل الله - تعالى - إليهم شعيبا - عليه السلام - ليأمرهم بعبادة الله - تعالى - وحده، ولينهاهم عن الرذائل التى كانت منتشرة فيهم، والتى من أبرزها التطفيف فى المكيال والميزان. والمعنى وكما أرسلنا نوحا إلى قومه، وإبراهيم إلى قومه، أرسلنا إلى أهل مدين، ورسولنا شعيبا - عليه السلام -. { فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أى فقال لهم ناصحا ومرشدا، الكلمة التى قالها كل نبى لأمته يا قوم اعبدوا الله - تعالى - وحده، واتركوا ما أنتم عليه من شرك. وقال لهم - أيضا وارجوا النجاة من أهوال يوم القيامة، بأن تستعدوا له بالإِيمان والعمل الصالح، ولا تعثوا فى الأرض مفسدين، فإن الإِفساد فى الأرض ليس من شأن العقلاء، وإنما هو من شأن الجهلاء الجاحدين لنعم الله - تعالى -. يقال عَثِى فلان فى الأرض يعثو ويعثى - كقال وتعب -، إذا ارتكب اشد أنواع الفساد فيها. فأنت ترى أن شعيبا - عليه السلام - وهو خطيب الأنبياء - كما جاء فى الحديث الشريف، قد أمر قومه بإخلاص العبادة لله، وبالعمل الصالح الذى ينفعهم فى أخراهم، ونهاهم عن الإِفساد فى الأرض، فماذا كان موقفهم منه؟ كان موقفهم منه التكذيب والإِعراض، كما قال - سبحانه - { فَكَذَّبُوه } أى فيما أمرهم به، وفيما نهاهم عنه. { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أى فأهلكهم الله - تعالى - بسبب تكذيبهم لنبيهم بالرجفة، وهى الزلزلة الشديدة. رجفت الأرض، إذا اضطربت اضطرابا شديدا. ولا تعارض هنا بين قوله - تعالى - { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } وبين قوله - سبحانه - فى سورة الحجرفَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } لأنه يجوز أن الله - تعالى - جعل لإِهلاكهم سببين الأول أن جبريل - عليه السلام - صاح بهم صيحة شديدة أذهلتهم، ثم رجفت بهم الأرض فأهلكتهم. وبعضهم قال إن الرجفة والصيحة بمعنى واحد. وقوله - تعالى - { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } بيان لما آل إليه أمرهم بعد هلاكهم. والمراد بدارهم مساكنهم التى يسكنونها، أو قريتهم التى يعيشون بها وقوله { جَاثِمِينَ } من الجثوم، وهو للناس والطيور بمنزلة البروك للإِبل. يقال جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم - من باب ضرب -، إذا وقع على صدره ولزم مكانه فلم يبرحه. أى فأصحبوا فى مساكنهم هامدين ميتين لا تحس لهم حركة، ولا تسمع لهم ركزا. ثم أشار - سبحانه - بعد ذلك إلى مصارع عاد وثمود فقال { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ }.

السابقالتالي
2 3