الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قال صاحب الكشاف وهذه الآية - وهى قوله - تعالى - { وَإِن تُكَذِّبُواْ } والآيات التى بعدها إلى قولهفَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ.. } محتملة أن تكون من جملة قول إبراهيم - صلوات الله عليه - لقومه، وأن تكون آيات وقعت معترضة فى شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأن قريش، بين أول قصة إبراهيم وآخرها. فإن قلت إذا كانت من قول إبراهيم، فما المراد بالأمم من قبله؟ قلت المراد بهم قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وكفى بقوم نوح أمة فى معنى أمم جَمة مكذبة... ". وقال الإِمام ابن كثير والظاهر من السياق أن كل هذه الآيات، من كلا إبراهيم الخليل - عليه السلام -، يحتج عليهم لإِثبات المعاد، لقوله بعد هذا كلهفَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } وقوله - سبحانه - { وَإِن تُكَذِّبُواْ... } معطوف على محذوف، والتقدير إن تطيعونى - أيها الناس - فقد فزتم ونجوتم، وإن تكذبونى فيما أخبرتكم به، فلستم بدعا فى ذلك، فقد كذب أمم من قبلكم رسلهم، فكانت عاقبة المكذبين خسرا. ثم بين لهم إبراهيم - عليه السلام - وظيفة فقال { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } أى لقد بلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم، وتلك هى وظيفتى التى كلفنى بها ربى، وليس على سواها، أما الحساب والجزاء فمرده إلى الله تعالى وحده. ثم ساق - سبحانه - ما يدل على أن البعث حق، وأنه - تعالى - لا يعجزه شئ، فقال { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ }. والاستفهام لتوبيخهم على إنكارهم هذه الحقيقة، وعدم تعلقهم لما يدل عليها دلالة واضحة، والواو للعطف على مقدر. والمعنى ألم ينظر هؤلاء المشركون المنكرون للبعث، ويعلموا كيف خلق الله - تعالى - الخلق ابتداء، ليستدلوا بذلك على قدرته على الإِعادة، وهى أهون عليه. إنهم ليرون كيف يبدئ الله الخلق فى النبتة النامية، وفى الشجرة الباسقة، وفى كل ما لم يكن، ثم بعد ذلك يكون، فكيف أنكروا إعادة هذا المخلوق إلى الحياة مرة أخرى، مع أنه من المسلم عند كل ذى عقل، أن الإِعادة أيسر من الخلق ابتداء؟ فالآية الكريمة تقرعهم على إنكارهم البعث، وتسوق لهم الأدلة الواضحة على إمكانيته. واسم الإِشارة فى قوله { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } يعود إلى ما ذكر من الأمرين وهما بدء الخلق، وإعادته إلى الحياة مرة أخرى. أى إن ذلك الذى ذكرناه لكم من خلقكم ابتداء، ثم إعادتكم إلى الحياة بعد موتكم، يسير وهين على الله، لأنه - سبحانه - لا يعجزه شئ. ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يلفت أنظار قومه إلى التأمل والتدبر فى أحوال هذا الكون، لعل هذا التأمل يديهم إلى الحق فقال { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ.

السابقالتالي
2 3