الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قال الآلوسى قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ }. شروع فى بيان افتتان الأنبياء - عليهم السلام - بأذية أممهم، إثر بيان افتتان المؤمنين بأذية الكفار تأكيدا للانكار على الذين يحسبون أن يتركوا بمجرد الإِيمان بلا ابتلاء، وحثا لهم على الصبر، فإن الأنبياء - عليهم السلام - حيث ابتلوا بما أصابهم من جهة أممهم من فنون المكاره وصبروا عليها، فلأن يصبر هؤلاء المؤمنون أولى وأحرى... " و " نوح " - عليه السلام - ينتهى نسبه إلى شيت بن آدم، وقد ذكر نوح فى القرآن فى ثلاث وأربعين موضعا، وجاءت قصته مع قومه بصورة فيها شئ من التفصيل، فى سور هود والأعراف، والمؤمنون، ونوح. وقوم الرجل أقرباؤه الذين يجتمعون معه فى جد واحد. وقد يقيم الرجل بين الأجانب فيسميهم قومه مجازا للمجاورة. وكان قوم نوح يعبدون الأصنام، فأرسل الله - تعالى - إليهم نبيهم نوحا، ليدلهم على طريق الحق والرشاد. والمعنى ولقد أرسلنا نبينا نوحا - عليه السلام - إلى قومه، لكى يأمرهم بإخلاص العبادة لنا، وينهاهم عن عبادة غيرنا { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } يدعوهم إلى الدين الحق، ليلا ونهارا، وسرا وعلانية. قالوا بعث الله نوحا وهو فى سن الأربعين من عمره، ولبث يدعو قومه إلى عبادة الله - تعالى - وحده، ألف سنة إلا خمسين عاما، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، فيكون عمره كله ألف سنة وخمسين سنة. قال صاحب الكشاف فإن قلت فلم جاء المميز أولا بالسنة، وثانيا بالعام؟ قلت لأن تكرير اللفظ الواحد، حقيق بالاجتناب فى البلاغة، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض يبتغيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك. " والمقصود بذكر هذه المدة الطويلة التى قضاها نوح - عليه السلام - مع قومه، تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم - وتثبيته، فكأن الله - تعالى - يقول له يا محمد لقد لبث أخوك نوح تلك المدة الطويلة، ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليل، فعليك أن تقتدى به فى صبره، وفى مطاولته لقومه. وقوله - سبحانه - { فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } بيان لسوء عاقبة المكذبين لنوح - عليه السلام - بعد أن مكث فيهم تلك المدة الطويلة. والطوفان قد يطلق على كل ما يطوف بالشئ على كثرة وشدة من السيل والريح والظلام، وقد غلب إطلاقه على طوفان الماء، وهو المراد هنا. أى مكث نوح فى قومه ألف سنة إلا خسين عاما يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - ولكنهم كذبوه، فأخذهم الطوفان، والحال أنهم كانوا مستمرين على الظلم والكفر، دون أن تؤثر فيهم مواعظ نبيهم ونذره.

السابقالتالي
2 3