الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

وقوله - سبحانه - { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ.. } بيان لحال قوم ضعف إيمانهم، واضطراب يقينهم، بعد بيان حال المؤمنين الصادقين فى قولهوَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } قال القرطبى قوله - تعالى - { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ... } قال مجاهد نزلت فى ناس من المنافقين بمكة، كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك، وقال عكرمة كان قوم قد أسلموا فأكرههم المشركون على الخروج معهم إلى بدر، فقُتل بعضهم ". والمعنى { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ } بلسانه دون أن يواطئ هذا القول قلبه { آمَنَّا بِٱللَّهِ }. وقوله { فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } بيان لحال هذا البعض من الناس عندما تنزل بهم المصائب والنكبات. أى فإذا أوذى هذا البعض - بعد قوله آمنا بالله - من أجل هذا القول ومن أجل تركه الدين الباطل، ودخوله فى الدين الحق { جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ } له أى جعل عذابهم له، وإيذاءهم إياه { كَعَذَابِ ٱللَّهِ } أى بمنزلة عذاب الله فى الشدة والألم، فيترتب على ذلك أن يتزلزل إيمانه، ويضعف يقينه، بل ربما رجع إلى الكفر بعد الإِيمان. وفى جعل هذا البعض { فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } دليل واضح على ضعف إيمانه، وفساد تفكيره، لأن عذاب الناس له دافع، أما عذاب الله فلا دافع له، ولأن عذاب الناس يترتب عليه ثواب عظيم، أما عذاب الله فهو بسبب غضب الله - سبحانه - على من عصاه، ولأن عذاب الناس معروف أمده ونهايته أما عذاب الله فلا يعرف أحد مداه أو نهايته. ثم بين - سبحانه - حال هذا الفريق إذا ما مَنَّ الله - تعالى - على المؤمنين الصادقين بنصر، فقال { وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ }. والضمير فى قوله { لَيَقُولُنَّ } بضم اللام يعود إلى { مَن } فى قوله { مَن يِقُولُ }. باعتبار معناها، كما أن إفراد الضمائر العائدة إليها باعتبار لفظها، أى هكذا حال ضعاف الإِيمان، عند الشدائد يساوون عذاب الناس بعذاب الله، ولا يثبتون على إيمانهم أما إذا جاءكم النصر - أيها الرسول الكريم - فإن هؤلاء الضعاف فى إيمانهم، يقولون بكل ثقة وتأكيد إنا كنا معكم مشايعين ومؤيدين، ونحن إنما أُكرهنا على ما قلنا، وما دام الأمر كذلك فأشركونا معكم فيما ترتب على النصر من مغانم وخيرات. وقوله - سبحانه - { أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } رد عليهم فى دعواهم الإِيمان، وفى قولهم للمؤمنين { إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } والاستفهام لإِنكار ما زعموه، ولتقدير علم الله - تعالى - الشامل للسر والعلانية. أى إن الله - تعالى - عالم بما فى صدور العالمين جميعا من خير وشر، وإيمان وكفر.

السابقالتالي
2