الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } * { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } * { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قال القرطبى قوله - تعالى - { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } لما قال - تعالى -وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا } بين أن قارون أوتيها واغتر بها. ولم تعصمه من عذاب الله، كما لم تعصم فرعون ولستم - أيها المشركون - بأكثر عددا ومالا من قارون وفرعون، فلم ينفع فرعون جنوده وأمواله، ولم ينفع قارون قرابته من موسى ولا كنوزه. قال النخعى وقتادة وغيرهما كان قارون ابن عم موسى... وقيل كان ابن خالته.. وقوله { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } من البغى وهو مجاوزة الحد فى كل شىء. يقال بغى فلان على غيره بغيا، إذا ظلمه واعتدى عليه. وأصله من بغى الجرح، إذا ترامى إليه الفساد. والمعنى إن قارون كان من قوم موسى، أى من بنى إسرائيل الذين أرسل إليهم موسى كما أرسل إلى فرعون وقومه. { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } أى فتطاول عليهم، وتجاوز الحدود فى ظلمهم وفى الاعتداء عليهم. ولم يحدد القرآن كيفية بغيه أو الأشياء التى بغى عليهم فيها، للإِشارة إلى أن بغيه قد شمل كل ما من شأنه أن يسمى بغيا من أقوال أو أفعال. وقوله - تعالى - { وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ } بيان لما أعطى الله - تعالى - لقارون من نعم. والكنوز جمع كنز وهو المال الكثير المدخر، و { مَآ } موصولة. وهى المفعول الثانى لآتينا. وصلتها { إِنَّ } وما فى حيزها. وقوله { مَفَاتِحَهُ } جمع مفتح - بكسر الميم وفتح التاء - وهو الآلة التى يفتح بها - أو جمع مفتح - بفتح الميم والتاء - بمعنى الخزائن التى تجمع فيها الأموال. وهو - أى لفظ مفاتحه - اسم إن، والخبر { لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ }. وقوله { لَتَنُوءُ }. أى لتعجز أو لتثقل. يقال ناء فلان بحمل هذا الشىء، إذا أثقله حمله وأتعبه والباء فى قوله { بِٱلْعُصْبَةِ } للتعدية والعصبة الجماعة من الناس من غير تعيين بعدد معين، سموا بذلك لأنهم يتعصب بعضهم لبعض ومنهم من خصها فى العرف، بالعشرة إلى الأربعين. والمعنى وآتينا قارون - بقدرتنا وفضلنا - من الأموال الكثيرة، ما يثقل حمل مفاتح خزائنها، العصبة من الرجال الأقوياء، بحيث تجعلهم شبه عاجزين عن حملها. قال صاحب الكشاف وقد بولغ فى ذكر ذلك - أى فى كثرة أمواله - بلفظ الكنوز، والمفاتح، والنوء، والعصبة، وأولى القوة. والمراد بالفرح فى قوله - سبحانه - { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ } البطر والأشر والتفاخر على الناس، والاستخفاف بهم واستعمال نعم الله - تعالى - فى السيئات والمعاصى. وجملة { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } تعليل للنهى عن الفرح المذموم. أى لقد أعطى الله - تعالى - قارون نعما عظيمة، فلم يشكر الله عليها، بل طغى وبغى، فقال له العقلاء من قومه لا تفرح بهذا المال الذى بين يديك فرح البطر الفخور، المستعمل لنعم الله فى الفسوق والمعاصى، فإن الله - تعالى - لا يحب من كان كذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6