الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ }

المراد بالأجل فى قوله - تعالى - { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ.. } المدة التى قضاها موسى أجيرا عند الشيخ الكبير، بجهة مدين. والمعنى ومكث موسى عشر سنين فى مدين، فلما قضاها وتزوج بإحدى ابنتى الشيخ الكبير، استأذن منه { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } أى وسار بزوجته متجها إلى مصر ليرى أقاربه وذوى رحمه، أو إلى مكان آخر قيل هو بيت المقدس. { آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } ولفظ { آنَسَ } من الإِيناس، وهو إبصار الشىء ورؤيته بوضوح لا التباس معه، حتى لكأنه يحسه بجانب رؤيته له. أى وخلال سيره بأهله إلى مصر، رأى بوضوح و جلاء { مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً }. أى رأى من الجهة التى تلى جبل الطور نارا عظيمة. قال الآلوسى " استظهر بعضهم أن المبصر كان نورا حقيقة، إلا أنه عبر عنه بالنار، اعتبارا لاعتقاد موسى - عليه السلام -، وقال بعضهم كان المبصر فى صور النار الحقيقية، وأما حقيقته، فوراء طور العقل، إلا أن موسى - عليه السلام - ظنه النار المعروفة ". وقوله - سبحانه - { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً.. } حكاية لما قاله موسى - عليه السلام - لزوجته ومن معها عندما أبصر النار. أى عندما أبصر موسى النار بوضوح وجلاء { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ } فى مكانكم { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } على مقربة منى وسأذهب إليها. { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } ينفعنا فى مسيرتنا، { أَوْ } أقتطع لكم منها { جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ }. قال الجلم قرأ حمزة { أَوْ جُذْوَةٍ } بضم الجيم. وقرأ عاصم بالفتح، وقرأ الباقون بالكسر، وهى لغات فى العود الذى فى رأسه نار، هذا هو المشهور. وقيده بعضهم فقال فى رأسه نار من غير لهب، وقد ورد ما يقتضى اللهب فيه، وقيل الجذوة العود الغليظ سواء أكان فى رأسه نار أم لم يكن. وليس المراد هنا إلا ما فى رأسه نار. وقوله { تَصْطَلُونَ } من الاصطلاء بمعنى الاقتراب من النار للاستدفاء بها من البرد. والطاء فيه مبدلة من تاء الافتعال. أى قال موسى لأهله امكثوا فى مكانكم حتى أرجع إليكم، فإنى أبصرت نارا سأذهب إليها، لعلى آتيكم من جهتها بخبر يفيدنا فى رحلتنا، أو أقتطع لكم منها قطعة من الجمر، كى تستدفئوا بها من البرد. قال ابن كثير ما ملخصه وكان ذلك بعدما قضى موسى الأجل الذى كان بينه وبين صهره فى رعاية الغنم، وسار بأهله. قيل قاصدا بلاد مصر بعد أن طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين، ومعه زوجته، فأضل الطريق، وكانت ليلة شاتية. ونزل منزلا بين شعاب وجبال، فى برد وشتاء، وسحاب وظلام وضباب وجعل يقدح بزند معه ليورى نارا - أى ليخرج نارا - كما جرت العادة به، فجعل لا يقدح شيئا، ولا يخرج منه شرر ولا شىء، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارا.

السابقالتالي
2 3 4