الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } * { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } * { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } * { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله - سبحانه - { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ } بيان لجانب من النعم التى أنعم الله - تعالى - بها على موسى فى تلك المرحلة من حياته. و { لَمَّا } ظرف بمعنى حين. والأشد قوة الإِنسان، واشتعال حرارته من الشدة بمعنى القوة والارتفاع يقال شد النهار إذا ارتفع. وهو مفرد جاء بصيغة الجمع ولا واحد له من لفظه. وقوله { وَٱسْتَوَىٰ } من الاستواء بمعنى الاكتمال وبلوغ الغاية والنهاية. أى - وحين بلغ موسى - عليه السلام - منتهى شدته وقوته، واكتمال عقله، قالوا وهى السن التى كان فيها بين الثلاثين والأربعين. { آتَيْنَاهُ } بفضلنا وقدرتنا { حُكْماً } أى حكمة وهى الإِصابة فى القول والفعل، وقيل النبوة. { وَعِلْماً } أى فقها فى الدين، وفهما سليما للأمور، وإدراكا قويما لشئون الحياة. وقوله - سبحانه - { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِين } بيان لسنة من سننه - تعالى - التى لا تتخلف. أى ومثل هذا الجزاء الحسن، والعطاء الكريم، الذى أكرمنا به موسى وأمه نعطى ونجازى المحسنين، الذين يحسنون أداء ما كلفهم الله - تعالى - به. فكل من أحسن فى أقواله وأعماله، أحسن الله - تعالى - جزاءه، وأعطاه الكثير من آلائه. ثم حكى - سبحانه - بعض الأحداث التى تعرض لها موسى - عليه السلام - فى تلك الحقبة من عمره فقال { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا }. والمراد بالمدينة مصر، وقيل ضاحية من ضواحيها، كعين شمس، أو منف. وجملة { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } حال من الفاعل. أى دخلها مستخفيا. قيل والسبب فى دخوله على هذه الحالة، أنه بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون، فخافهم وخافوه. فاختفى وغاب، فدخلها متنكرا. أى وفى يوم من الأيام، وبعد أن بلغ موسى سن القوة والرشد، دخل المدينة التى يسكنها فرعون وقومه { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } أى دخلها مستخفيا فى وقت كان أهلها غافلين عما يجرى فى مدينتهم من أحداث، بسبب راحتهم فى بيوتهم فى وقت القيلولة، أو ما يشبه ذلك. { فَوَجَدَ } موسى { فِيهَا } أى فى المدينة { رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } أى يتخاصمان ويتنازعان فى أمر من الأمور. { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } أى أحد الرجلين كان من طائفته وقبيلته. أى من بنى إسرائيل { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } أى والرجل الثانى كان من أعدائه وهم القبط الذين كانوا يسيمون بنى إسرائيل سوء العذاب. { فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } أى فطلب الرجل الإِسرائيلى من موسى، أن ينصره على الرجل القبطى. والاستغاثة طلب الغوث والنصرة، ولتضمنه معنى النصرة عدى بعلى. { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } والفاء هنا فصيحة. والوكز الضرب بجميع الكف. قال القرطبى والوكز واللكز واللهز بمعنى واحد، وهو الضرب بجميع الكف.

السابقالتالي
2 3 4