الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } * { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } * { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قال الإِمام الرازى اعلم أنه - تعالى - لما قالوَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } ابتدأ بذكر أوائل نعمه فى هذا الباب فقال { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ }. والوحى إلى أم موسى، يجوز أن يكون عن طريق الإِلهام، كما فى قوله - تعالى -وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ.. } أو عن طريق المنام، أو عن طريق إرسال ملك أخبرها بذلك. قال الآلوسى والظاهر أن الإِيحاء إليها كان بإرسال ملك، ولا ينافى ذلك الإِجماع على عدم نبوتها، لما أن الملائكة - عليهم السلام - قد ترسل إلى غير الأنبياء وتكلمهم. والظاهر - أيضا - أن هذا الإِيحاء كان بعد الولادة.. وقيل كان قبلها... و { أَنْ } فى قوله { أَنْ أَرْضِعِيهِ } مفسرة، لأن الوحى فيه معنى القول دون حروفه. والخوف حالة نفسية تعترى الإِنسان، فتجعله مضطرب المشاعر، لتوقعه حصول أمر يكرهه. والحزن اكتئاب نفسى يحدث للإِنسان من أجل وقوع ما يكرهه، كموت عزيز لديه. أو فقده لشىء يحبه. وفى الكلام حذف يعرف من السياق، والتقدير وحملت أم موسى به فى الوقت الذى كان فرعون يذبح الأبناء، ويستحيى النساء، وأخفت حملها عن غيرها، فلما وضعته أصابها ما أصابها من خوف وفزع على مصير ابنها، وهنا ألهمناها بقدرتنا وإرادتنا. وقذفنا فى قلبها أن أرضعيه فى خفاء وكتمان { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } من فرعون وحاشيته أن يقتلوه كما قتلوا غيره من أبناء بنى إسرائيل. { فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ } أى فى البحر والمراد به نهر النيل، وسمى بحرا لاتساعه، وإن كان الغالب إطلاق البحر على المياه غير العذبة. { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ } أى ولا تخافى عليه من حصول مكروه له، ولا تحزنى لمفارقته لك، فهو فى رعايتنا وحمايتنا، ومن رعاه الله - تعالى - وحماه، فلا خوف عليه ولا حزن. وجملة { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } تعليل للنهى عن الخوف والحزن، وتبشير لها بأن ابنها سيعود إليها، وسيكون من رسل الله - عز وجل -. قال صاحب الكشاف فإن قلت ما المراد بالخوفين - فى الآية - حتى أوجب أحدهما ونهى عن الآخر؟. قلت أما الأول، فالخوف عليه من القتل، لأنه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته، فينموا عليه. وأما الثانى فالخوف عليه من الغرق ومن الضياع، ومن الوقوع فى يد بعض العيون المبثوتة من قبل فرعون فى تطلب الولدان. فإن قلت ما الفرق بين الخوف والحزن؟ قلت الخوف، غم يلحق الإِنسان لشىء متوقع. والحزن غم يلحقه لشىء وقع، فنهيت عنهما جميعا وأومنت بالوحى إليها، ووعدت بما يسليها، ويطمئن قلبها، ويملؤها غبطة وسرورا، وهو رده إليها. وجعله من المرسلين.

السابقالتالي
2 3 4 5