الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } * { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ }

قال الإِمام الرازى اعلم أنه - سبحانه - لما تمم الكلام فى إثبات المبدأ والمعاد. ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالنبوة، ولما كانت الدلالة الكبرى فى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن، لا جرم بين الله - تعالى - أولا كونه معجزة... أى إن هذا القرآن من معجزاته الدالة على أنه من عند الله - تعالى - أنه يقص على بنى إسرائيل، الذين هم حملة التوراة والإِنجيل، أكثر الأشياء التى اختلفوا فيها، ويبين لهم وجه الحق والصواب فيما اختلفوا فيه. ومن بين ما اختلف فيه بنو إسرائيل اختلافهم فى شأن عيسى - عليه السلام -، فاليهود كفروا به، وقالوا على أمه ما قالوا من الكذب والبهتان، والنصارى قالوا فيه إنه الله، أو هو ابن الله، فجاء القرآن ليبين لهم القول الحق فى شأن عيسى - عليه السلام - فقال من بين ما قالهإِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ.. } وقال - سبحانه - { يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } للإِشارة إلى أن القرآن ترك أشياء اختلفوا فيها دون أن يحكيها، لأنه لا يتعلق بذكرها غرض هام يستدعى الحديث عنها، ولأن فى عدم ذكرها سترا لهم، عما وقعوا فيه من أخطاء... وقوله - تعالى - { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } صفة أخرى من صفات القرآن الكريم الدالة على أنه من عند الله - تعالى - أى وإن هذا القرآن لمن صفاته - أيضا - أننا جعلناه هداية للمؤمنين إلى الصراط المستقيم، ورحمة لهم ينالون بسببها العفو والمغفرة من الله. وخص هدايته ورحمته بالمؤمنين، لأنهم هم الذين آمنوا به، وصدقوا بما فيه، وعملوا بأوامره، واجتنبوا نواهيه، وطبقوا على أنفسهم أحكامه، وآدابه، وتشريعاته. ثم بين - سبحانه - أن مرد القضاء بين المختلفين إليه وحده فقال { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ.. }. أى إن ربك - أيها الرسول الكريم - يقضى بين بنى إسرائيل الذين اختلفوا فيما بينهم اختلافا كبيرا، بحكمه العادل، كما يقضى بين غيرهم، فيجازى الذين أساؤوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى. { وَهُوَ } - سبحانه - { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذى لا يغالب { ٱلْعَلِيمُ } بكل شىء فى هذا الوجود، والفاء فى قوله - تعالى - { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ.. } للتفريع. أى ما دمت قد عرفت ذلك - أيها الرسول الكريم - ففوض أمرك إلى العزيز العليم وحده، وتوكل عليه دون سواه، وبلغ رسالته دون أن تخشى أحدا إلا إياه. وجملة { إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } تعليل للتوكل على الله وحده. أى توكل على الله - تعالى - وحده، لأنك - أيها الرسول الكريم - على الحق الواضح البين، الذى لا تحوم حوله شبهة من باطل.

السابقالتالي
2