الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } * { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَمَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

قال صاحب البحر المحيط لما فرغ - سبحانه - من قصص هذه السورة، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بحمده - تعالى - والسلام على المصطفين، وأخذ فى مباينة واجب الوجود وهو الله - تعالى - ومباينة الأصنام والأديان التى أشركوها مع الله وعبدوها، وابتدأ فى هذا التقرير لقريش وغيرهم بالحمد لله، وكأنها صدر خطبة، لما يلقى من البراهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة. وقد اقتدى بذلك المسلمون فى تصانيف كتبهم، وخطبهم، ووعظهم، فافتتحوا بتحميد الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وتبعهم المتراسلون فى أوائل كتب الفتوح والتهانى والحوادث التى لها شأن. والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - للناس { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } - تعالى - وحده، فهو - سبحانه - صاحب النعم والمنن على عباده، وهو - عز وجل - الذى له الخلق والأمر وليس لأحد سواه. وقل - أيضا - { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } أى أمان وتحية لعباده الذين اصطفاهم واختارهم - سبحانه - لحمل رسالته وتبليغ دعوته، والاستجابة لأمره ونهيه، والطاعة له فى السر والعلن. والاستفهام فى قوله { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } للإنكار والتقريع، والألف منقلبة عن همزة الاستفهام. أى وقل لهم - أيها الرسول الكريم - آلله الذى له الخلق والأمر، والذى أنعم عليكم بالنعم التى لا تحصى، خير، أم الآلهة الباطلة التى لا تنفع ولا تضر، والتى يعبدها المشركون من دون الله - تعالى -. إن كل من عنده عقل، لا يشك فى أن المستحق للعبادة والطاعة، هو الله رب العالمين. ولفظ { خَيْرٌ } ليس للتفضيل، وإنما هو من باب التهكم بهم، إذ لا خير فى عبادة الأصنام أصلا. وقد حكى عن العرب أنهم يقولون السعادة أحب إليك أم الشقاوة، مع أنه لا خير فى الشقاوة إطلاقا. قال الآلوسى وقوله { ءَآللَّهُ } بالمد لقلب همزة الاستفهام ألفا، والأصل أألله؟ { خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } والظاهر أن { ما } موصولة، والعائد محذوف أى آلله الذى ذكرت شئونه العظيمة خير أم الذى يشركونه من الأصنام و { خَيْرٌ } أفعل تفضيل، ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته - عز وجل - وتسفيه آرائهم الركيكة، والتهكم بهم، إذا من البين أنه ليس فيما أشركوه به - سبحانه - شائبة خير، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من هو خير محض.. ثم ساق - سبحانه - خمس آيات، وكل آية فيها ما يدل على كمال قدرته وعلمه، وختم كل آية بقوله { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ }؟ فقال - تعالى - { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ.. } و { أم } هنا منقطعة بمعنى بل الإِضرابية والاستفهام للإِنكار والتوبيخ. أى بل قالوا لنا - إن كنتم تعقلون أيها الضالون - من الذى خلق السموات والأرض، وأوجدهما على هذا النحو البديع، والتركيب المحكم.

السابقالتالي
2 3 4