الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ }

قصة لوط - عليه السلام - قد ذكرت فى سور متعددة منها الأعراف، وهود، والحجر... وهنا تتعرض السورة الكريمة، لإِبراز ما كان عليه أولئك القوم من فجور، وما هددوا به نبيهم. قال ابن كثير - رحمه الله - ولوط هو ابن هاران بن آزر، وهو ابن أخى إبراهيم - عليه السلام - وكان لوط قد آمن مع إبراهيم، وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله - تعالى - إلى أهل " سدوم " ، وما حولها من القرى، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينهاهم عما يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التى اخترعوها، دون أن يسبقهم إليها أحد من بنى آدم... وقوله - تعالى - { وَلُوطاً... } منصوب بفعل مضمر محذوف، والتقدير واذكر - أيها العاقل - وقت أن أرسلنا لوطا إلى قومه. فقال لهم على سبيل الزجر والتوبيخ { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أى أتأتون الفاحشة التى لم يسبقكم إليها أحد، وهى إتيان الذكور دون الإِناث، وأنتم تبصرون بأعينكم أنها تتنافى مع الفطرة السوية حتى بالنسبة للحيوان الأعجم فأنتم ترون وتشاهدون أن الذكر من الحيوان لا يأتى الذكر، وإنما يأتى الأنثى، حيث يتأتى عن طريقها التوالد والتناسل وعمارة الكون. فقوله - سبحانه - { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } جملة حالية المقصود بها زيادة تبكيتهم وتوبيخهم، لأنهم يشاهدون تنزه الحيوان عنها، كما يعلمون سوء عاقبتها، وسوء عاقبة الذين خالفوا أنبيائهم من قبلهم. وقوله - سبحانه - { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ... } تأكيد للإِنكار السابق، وتوضيح للفاحشة التى كانوا يأتونها. والإِتيان كناية عن الاستمتاع والجماع، مأخوذ من أتى المرأة إذا جامعها. أى أئنكم - أيها الممسوخون فى فطرتكم وطبائعكم - لتصبون شهوتكم التى ركبها الله - تعالى - فيكم فى الرجال دون النساء اللاتى جعلهن الله - تعالى - محل شهوتكم ومتعتكم. قال الآلوسى والجملة الكريمة تثنية للإِنكار وبيان لما يأتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإِبهام وتحلية الجملة بحرفى التأكيد، للإِيذان بأن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد، لكمال شناعته، وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية، لزيادة التقبيح والتوبيخ. وقوله - تعالى - { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } إضراب عن الإِنكار إلى الإِخبار عن الأسباب التى جعلتهم يرتكبون هذه القبائح، وهى أنهم قوم دينهم الجهل والسفاهة والمجون وانطماس البصيرة. وقد حكى القرآن أن لوطا قد قال لهم فى سورة الأعرافبَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } وقال لهم فى سورة الشعراءبَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } وقال لهم هنا { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل، وانحراف الفطرة، وتجاوز كل الحدود التى ترتضيها النفوس الكريمة.

السابقالتالي
2