الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } * { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } * { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله { نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } من التنكير الذى هو ضد التعريف، وهو جعل الشىء على هيئة تخالف هيئته السابقة حتى لا يعرف. أى قال سليمان لجنوده، بعد أن استقر عنده عرش بلقيس غيروا لهذه الملكة عرشها، كأن تجعلوا مؤخرته فى مقدمته، وأعلاه أسفله. وافعلوا ذلك لكى { نَنظُرْ } ونعرف { أَتَهْتَدِيۤ } إليه بعد هذا التغيير، أو إلى الجواب اللائق بالمقام عندما تسأل { أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } إلى معرفة الشىء بعد تغيير معالمه المميزة له. أو إلى الجواب الصحيح عندما تسأل عنه. فالمقصود بتغيير هيئة عرشها اختبار ذكائها وفطنتها، وحسن تصرفها، عند مفاجأتها بإطلاعها على عرشها الذى خلفته وراءها فى بلادها. وإيقافها على مظاهر قدرة الله - تعالى - وعلى ما وهبه لسليمان - عليه السلام - من معجزات. وقوله - تعالى - { فَلَمَّا جَآءَتْ... } شروع فى بيان ما قالته عندما عرض عليها سليمان عرشها. أى فلما وصلت بلقيس إلى سليمان - عليه السلام - عرض عليها عرشها بعد تغيير معالمه. ثم قيل لها من جهته - عليه السلام - { أَهَكَذَا عَرْشُكِ } أى أمثل هذا العرش الذى ترينه الآن، عرشك الذى خلفته وراءك فى بلادك. فالهمزة للاستفهام والهاء للتنبيه - والكاف حرف جر، وذا اسم إشارة مجرور بها، والجار والمجرور خبر مقدم، وعرشك مبتدأ مؤخر. ولم يقل لها أهذا عرشك، لئلا يكون إرشادا لها إلى الجواب، فيفوت المقصود من اختبار ذكائها وحسن تصرفها. ولا شك أن هذا القول يدعوها للدهشة والمفاجأة بما لم يكن فى حسبانها، وإلا فأين هى من عرشها الذى تركته خلفها على مسافة بعيدة، بينها وبين مملكة سليمان عشرات الآلاف من الأميال. ولكن الملكة الأريبة العاقلة، هداها تفكيرها إلى جواب ذكى، فقالت - كما حكى القرآن عنها - { كَأَنَّهُ هُوَ } أى هذا العرش - الذى غيرت هيئته - كأنه عرشى الذى تركته فى بلادى، فهى لم تثبت أنه هو، ولم تنف أنه غيره، وإنما تركت الأمر مبنيا على الظن والتشبيه، لكى يناسب الجواب السؤال. وقوله - سبحانه - { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } يرى بعض المفسرين أنه من تتمة كلام بقليس، وكأنها عندما استشعرت مما شاهدته اختبار عقلها قالت وأتينا العلم من قبلها، أى من قبل تلك الحالة التى شاهدناها، بصحة نبوة سليمان وكنا مسلمين، طائعن لأمره. ومنهم من يرى أنه من سليمان، وتكون الجملة معطوفة على كلام مقدر وجىء بها من قبيل التحدث بنعمة الله - تعالى -. والمعنى قال سليمان لقد أصابت بلقيس فى الجواب، وعرفت الحق، ولكننا نحن الذين أوتينا العلم من قبلها - أى من قبل حضور ملكة سبأ - وكنا مسلمين لله - تعالى - وجوهنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6