الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } * { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } * { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } * { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } * { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

التفقد تطلب الشىء ومعرفة أحواله، ومنه قولهم تفقد القائد جنوده، أى تطلب أحوالهم ليعرف حاضرهم من غائبهم. والطير اسم جنس لكل ما يطير، ومفرده طائر، والمراد بالهدهد هنا طائر معين وليس الجنس. و { أَمْ } منقطعة بمعنى بل. أى وأشرف سليمان - عليه السلام - على أفراد مملكته ليعرف أحوالها، فقال بعد أن نظر فى أحوال الطير { مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } أى ما الذى حال بينى وبين رؤية الهدهد ثم تأكد من غيابه فقال بل هو من الغائبين. قال الآلوسى " والظاهر أن قوله - عليه السلام - ذلك، مبنى على أنه ظن حضوره ومنه مانع له من رؤيته، أى عدم رؤيتى إياه مع حضوره، لأى سبب؟ ألساتر أم لغيره. ثم لاح له أنه غائب، فأضرب عن ذلك وأخذ يقول { أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } كأنه يسأل عن صحة ما لاح له. فأم هى المنقطعة، كما فى قولهم إنها لإِبل أم شاء... وقوله - تعالى - { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } بيان للحكم الذى أصدره سليمان - عليه السلام - على الهدهد بسبب غيابه بدون إذن. أى لأعذبن الهدهد عذاباً شديداً يؤلمه، أو لأذبحنه، أو ليأتينى بحجة قوية توضح سبب غيابه. وتقنعنى بالصفح عنه، وبترك تعذيبه، أو ذبحه. فأنت ترى أن سليمان - عليه السلام - وهو النبى الملك الحكيم العادل - يقيد تعذيب الهدهد أو ذبحه. بعدم إتيانه بالعذر المقبول عن سبب غيابه، أما إذا أتى بهذا العذر فإنه سيعفو عنه، ويترك عقابه. فكأنه - عليه السلام - يقول هذا الهدهد الغائب إما أن أعذبه عذاباً شديداً وإما أن أذبحه بعد حضوره، وإما أن يأتينى بعذر مقبول عن سبب غيابه، وفى هذه الحالة فأنا سأعفو عنه. ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما كان من الهدهد، فقال { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } أى فمكث الهدهد زماناً غير بعيد من تهديد سليمان له، ثم أتاه فقال له { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أى علمت أشياء أنت لم تعلمها. وابتدأ كلامه بهذه الجملة التى فيها ما فيها من المفاجآت لترغيبه فى الإِصغاء إليه، ولاستمالة قلبه لقبول عذره بعد ذلك. قال صاحب الكشاف " ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام، على ما أوتى من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة، والإِحاطة بالمعلومات الكثيرة، ابتلاء له فى علمه، وتنبيهاً على أن فى أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به، لتتحاقر إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفاً له فى ترك الإِعجاب الذى هو فتنة العلماء.. ". وقوله { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } تفسير وتوضيح لقوله قبل ذلك أحطت بما لم تحط به، وسبأ فى الأصل اسم لسبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ثم صار بعد ذلك اسما لحى من الناس سموا باسم أبيهم، أو صار اسما للقبيلة، أو لمدينة تعرف بمأرب باليمن.

السابقالتالي
2 3