الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } * { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله - سبحانه - { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } كلام مستأنف مسوق لتقرير قوله - تعالى -وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } إذ القرآن الكريم هو الذى قص الله - تعالى - فيه أخبار السابقين، بالصدق والحق. وداود هو ابن يسى، من سبط يهوذا من بنى إسرائيل، وكانت ولادته فى بيت لحم سنة 1085 ق.م - تقريباً -، وهو الذى قتل جالوت، كما قال - تعالى -فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ.. } وكانت وفاته سنة 1000 ق م تقريباً. وسليمان هو ابن داود - عليهما السلام - ولد بأورشليم حوالى سنة 1043 ق م وتوفى سنة 975 ق م. وقد جاء ذكرهما فى سورتى الأنبياء وسبأ وغيرهما. ويعتبر عهدهما أزهى عهود بنى إسرائيل، فقد أعطاهما الله - تعالى - نعما جليلة. والمعنى والله لقد أعطينا داود وابنه سليمان علما واسعا من عندنا، ومنحناهما بفضلنا وإحساننا معرفة غزيرة بعلوم الدين والدنيا. أما داود فقد أعطاه - سبحانه - علم الزبور، فكان يقرؤه بصوت جميل، كما علمه صناعة الدروع.. قال - تعالى -وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } وأما سليمان فقد آتاه - سبحانه - ملكا لا ينبغى لأحد من بعده، وعلمه منطق الطير، ورزق الحكم السديد بين الناس. قال - تعالى -فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } وقوله - سبحانه - { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بيان لموقفهما من نعم الله - تعالى - عليهما، وهو موقف يدل على حسن شكرهما لخالقهما. والواو فى قوله { وَقَالاَ } للعطف على محذوف، أى آتيناهما علما غزيراً فعملا بمقتضاه وشكرا الله عليه، وقالا الحمد لله الذى فضلنا بسبب ما آتانا من علم ونعم، على كثير من عباده المؤمنين، الذين لم ينالوا ما نلنا من خيره وبره - سبحانه -. قال صاحب الكشاف " وفى الآية دليل على شرف العلم، وإنافة محله. وتقدم حَمَلَتهِ وأهله، وأن نعمة العلم من أجل النعم، وأجزل القسم، وأن من أوتيه فقد أوتى فضلاً على كثير من عباد الله.. ". وفى التعبير بقوله - تعالى - { فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ.. } دلالة على حسن أدبهما، وتواضعهما، حيث لم يقولا فضلنا على جميع عباده. والمراد بالوراثة فى قوله - تعالى - { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ... } وراثة العلم والنبوة والملك. أى وورث سليمان داود فى نبوته وعلمه وملكه. قال ابن كثير " وقوله { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } أى فى الملك والنبوة وليس المراد وراثة المال، إذ لو كان كذلك، لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود.

السابقالتالي
2 3 4