الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }

هذا جانب من قصى موسى - عليه السلام - كما جاءت فى هذه السورة، وقد جاءت فى سور أخرى بصورة أوسع، كسور البقرة، والأعراف، ويونس، والشعراء، والقصص... وقد افتتحت هنا بقوله - تعالى { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً }. والظرف " إذ " متعلق بمحذوف تقديره اذكر. و " موسى " - عليه السلام - هو ابن عمران، وينتهى نسبه إلى يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم - عليه السلام -، وكانت بعثته - على الراجح - فى القرن الحادى عشر أو الثانى عشر قبل الميلاد. والمراد بأهله زوجته، وهى ابنة الشيخ الكبير الذى قال له - بعد أن سقى لابنتيه غنمهما-إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ... } قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه " وكان ذلك بعد أن قضى موسى الأجل الذى بينه وبين صهره، فى رعاية الغنم، وسار بأهله، قيل قاصداً بلاد مصر بعد ما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين، ومعه زوجته فأضل الطريق، وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلاً بين شعاب وجبال... فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور ناراً... ". وقوله { آنَسْتُ } من الإِيناس، بمعنى الإِبصار الواضح الجلى يقال آنس فلان الشىء إذا أبصره وعلمه وأحس به. أى واذكر - أيها الرسول الكريم - وذكر أتباعك ليعتبروا و يتعظوا، وقت أن قال موسى لأهله، وهو فى طريقه من جهة مدين إلى مصر. إنى أبصرت - إبصاراً لا شبهة فيه - ناراً. فامكثوا فى مكانكم، فإنى { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } أى سآتيكم من جهتها بخبر ينفعنا فى رحلتنا هذه، وتسترشد به فى الوصول إلى أهدى الطرق التى توصلنا إلى المكان الذى نريده. و { أَوْ } فى قوله - سبحانه - { آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } مانعة خلو. قال القرطبى ما ملخصه " قرأ عاصم وحمزة والكسائى { بِشِهَابٍ قَبَسٍ } بتنوين { شِهَابٍ } وقرأ الباقون بدون تنوين على الإِضافة، أى بشعلة نار، من إضافة النوع إلى جنسه كخاتم فضة. والشهاب كل ذى نور، نحو الكواكب، والعود الموقد. والقبس اسم لما يقتبس من جمر وما أشبهه، فالمعنى بشهاب من قبس... ومن قرأ { بِشِهَابٍ قَبَسٍ } ، بالتنوين جعله بدلاً منه، أو صفة له. على تأويله بمعنى المقبوس.. ". وقوله { تَصْطَلُونَ } أى تستدفئون، والاصطلاء الدنو من النار لتدفئة البدن عند الشعور بالبرد. قال الشاعر
النار فاكهة الشتاء فمن يرد أكل الفواكه شاتياً فليصطل   
والمعنى قال موسى - عليه السلام - لأهله عندما شاهد النار امكثوا فى مكانكم، فإنى ذاهب إليها، لكى آتيكم من جهتها بخبر فى رحلتنا فإن لم يكن ذلك، فإنى آتيكم بشعلة مقتطعة منها ومقتبسة من أصلها، لعلم تستدفئون بها فى تلك الليلة الشديدة البرودة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6